أصبحت الأسر الجزائرية في السنوات الأخيرة تقصد قاعات الحفلات لإقامة أعراسها بدل البيوت والمنازل، حيث تتراوح أسعار كراء هذه القاعات بين 50 ألف دينار الى 150 ألف دينار جزائر، وتفضل إحياء حفلاتها بالأوركسترا عوض "الديسك جوكي" رغم ارتفاع تكلفتها، كصور أخرى للبذخ، الذي تتفنّن فيه العائلات في احتفالها بليلة العمر "الزرنة" ديدن الأعراس الجزائرية، ومن لم يستطع فعليه بالأشرطة ومهما كانت شعبية المطرب الذي يحيي الحفل تبقى دائما أنغام الزرنة المفضلة إلى قلوب الجزائريين كونها إرث تاريخي لم يفقد مكانته وسط الشكليات المتزايدة. في استطلاع ل "الفجر"، شمل عدة مناطق متباعدة، وقفنا على ارتفاع فاحش لأسعار تأجير القاعات، فقد تحدثنا مع صاحب قاعة حفلات بمدينة البليدة لمعرفة سعر كرائها، قال إنه يصل إلى 13 مليون سنتيم، حيث تحتوي على حظيرة سيارات ومرافق للعب الأطفال وكافيتيريا في الهواء الطلق. وانتقلنا إلى قاعة حفلات أخرى متواجدة بالعاصمة فعلمنا أن سعر كرائها يبلغ 10 مليون سنتيم، حسب صاحبها، بالإضافة إلى محضّر للأطباق. ولمعرفة سبب اختيار قاعات الحفلات بدل المنازل، اقتربنا من بعض العائلات، فقالت سيدة بأنها أكثر تنظيما مقارنة بالمنازل، كما أنه يمكن لأهل العروس الاستمتاع بالعرس وترك مهمة الاهتمام بالمدعوين لنادلات القاعة ومراقبتهن من بعيد، بالإضافة إلى ضيق المنزل وبقائه نظيفا. من جهتها، صرحت إحدى السيدات أن "كل واحد يمشي على حسب مقدوره ولا يكلف نفسه فوق طاقته"، خاصة مع الغلاء المعيشي الذي يحتم على الفرد أن ينفق وفق ميزانيته، والتي عادة ما تتعارض مع متطلبات حياة الرفاهية ليجد نفسه أمام ديون كبيرة يصعب عليه تسديدها. .. والمغني بأكثر من 30 مليون سنتيم أضحت الأعراس اليوم تقام بحضور المغني بدل الديسك جوكي، على اعتبار أن العديد منهم بات يعتمدها كموضة، والبعض الآخر يرى في المغني وسيلة للابتهاج أفضل من التقنية القديمة التي كانت تستعمل سابقا. في حين تعتبر العائلات الميسورة استعمال المغني في أعراسها كنوع من البذخ للتباهي به أمام قريناتها. ولاختيار المغني المناسب يجب أخذ الموعد مسبقا والتفاهم معه على السعر، حيث تتراوح الأسعار بين 15 إلى 35 مليون سنتيم، علاوة على ذلك هناك من يشترط من المغنيين تكلفة الفندق والطائرة إذا كان قادما من بعيد. ورغم وفرة المطربين، وشكواهم الجماعية بقلة النشاط، فإننا وجدنا سيدة محتارة في المغني الذي تختار ويؤدي الطابع العاصمي، وكذا حجزه للغناء في عرس ابنها، بالنظر إلى التهافت الكبير عليهم في فصل الصيف. الزرنة ميزة الأعراس الجزائرية ورغم كل هذه الاهتمامات المستجدة والتي أصبحت تطبع أعراسنا، لا تزال الزرنة اليوم مطلب كل الجزائريين في أعراسهم وبدون استثناء، حيث يقصدها الغني والفقير على حد سواء، وتفضّلها العائلات في مناسباتها السعيدة، كالأفراح وحفلات الختان، إذ تستمد أغانيها من الفلكلور الجزائري لما له من ميزة، وكذا جمال اللباس التقليدي الذي يرتديه طاقم الفرقة والمتمثل في السروال المدور والطربوش الأحمر. وتعتمد الزرنة على آلات موسيقية كالمزمار، البندير، الطبل والدربوكة، وعادة ما تجلب الفرقة حولها الناس، وتدفعهم إلى الرقص والتجاوب مع مختلف الأغاني الشعبية التي ترددها. كما تفضّل العائلات الجزائرية أن تزف العروس من بيت أهلها إلى بيت زوجها على إيقاعات الزرنة. وفي هذا الشأن، سألنا بعض العائلات عن سبب اختيارهم لها دون باقي الفرق الفلكلورية الأخرى، مثل القرقابو وغيرها، حيث قالت السيدة عائشة بأنها تعشق كل العادات والتقاليد الجزائرية، والزرنة من ضمن تراثنا الأصيل الذي ننتمي إليه جميعا. من جهتها، قالت منال، وهي مقبلة على الزواج في هذا الشهر، أنها تفضل الزرنة لجمال إيقاعاتها رغم بروز العديد من الإيقاعات الأخرى، كما أنها تفضل أن ترافقها فرقة الزرنة منذ بداية العرس إلى نهايته. ولمعرفة المزيد عن هذا التراث، قصدنا إحدى محلات كراء الزرنة بالعاصمة، حيث حدّثنا صاحب المحل بأنه يقوم بكراء هذه الأخيرة بمبلغ 10 آلاف دينار فما فوق، ولكن تتفاوت الأسعار من محل إلى آخر على حسب الطلب والمدة التي تقضيها الفرقة في العرس، فهناك من يطلب مرافقة الموكب فقط، وهناك من يرغب في بقاء الفرقة إلى نهاية السهرة. وهناك من العائلات من لا تستطيع توفير تكاليف استقدام فرقة الزرنة، فتستعين بأشرطة مسجلة على إيقاعاتها. ولمعرفة نسبة الإقبال على أشرطة الزرنة، انتقلنا إلى محلات بيع الأشرطة في شارع حسيبة بن بوعلي بالعاصمة، حيث أكد لنا صاحب المحل بأن مبيعات أشرطة الزرنة تحقق أرباحا كبيرة على مدار السنة، على غرار الطبوع الأخرى المطلوبة في الأعراس والمناسبات التي تكثر في فصل الصيف.