قال الكاتب البريطانى الشهير، روبرت فيسك، في مقاله بصحيفة "الإندبندنت"، إن مصر تنتظر مستقبلاً غير مؤكد في ظل ما يتردد عن تراجع صحة الرئيس مبارك، الذى يحكم البلاد منذ 29 عاماً، وعدم وجود خلف معين له. ويرى فيسك أن المصريين لا يريدون رحيل مبارك كرها فيه، ولكنهم يرغبون في التغيير السياسي، وهم على الأرجح لن يحصلوا عليه. ويشبه فيسك الوضع في مصر الآن مثلما كانت الحال في العراق أثناء تعرضه لعقوبات الأممالمتحدة، حيث كان الغرب يأمل دائماً في الإطاحة بصدام حسين من خلال الضغط على شعبه للقيام بثورة ضده، إلا أن معظم المصريين سئموا من الانتفاض ضد النظام لأنهم يسعون إلى حماية أسرهم من الفقر أكثر من الإساءة إلى الرجل الذي تركهم في حالة البؤس هذه. ومثلما كانت الحكومات الفيكتورية تخشى الثورة وسط الأحياء الفقيرة في لندن ومانشستر وليفربول، كانت السلطات المصرية تخشى من أن تتحول الأحياء الفقيرة إلى مناطق لمعارضة النظام والثورة، ولذلك، فإن الأجهزة الأمنية تتواجد فيها بشكل مكثف وتوليها عناية خاصة. ويرى الكاتب البريطاني أن المشكلة بالنسبة لرئاسة مبارك، وبالنسبة لنجله جمال، إذا أصبح هو ثاني خليفة لرئيس في الشرق الأوسط، بعد بشار الأسد، هي أنه بعد عقود من التحسينات الموعودة، لا يزال أغلب المصريين يشعرون أن بلادهم لم تشهد أي حراك سياسي أو مادي، فقانون الطوارئ يعقد ألسنتهم، والفقر يحطم طاقتهم. أما الأغنياء فهم يعيشون في مناطق تحاصرها البوابات خارج المدينة، فأصبحت أغلب الفنادق بالقاهرة مجتمعات مغلقة بالأبواب للأجانب والسائحين ورجال وسيدات الأعمال الذين يستمتعون بشتى مظاهر الرفاهية، بينما الفقراء ليس أمامهم سوى التدين، والإقامة في بيوت بائسة مثلما كانت حياة الكاتب الشهير تشارلز ديكينز، ومشاهدة مسلسلات التلفزيون. وهنا يسخر الكاتب من الشعار الذى رفعه التلفزيون المصري للاحتفال بمرور 50 سنة على انطلاقه وهو شعار "كباراً بدأنا وكباراً نستمر"، ويقول إن الكبر هنا أشبه بالسمنة. وواصل الكاتب انتقاده للتلفزيون المصري، ولقناة "نايل تي في" الإخبارية التى كانت قد انطلقت لتكون منافساً ل"سي أن أن" في التسعينات، وينقل قول أحد المعلقين عنها إنه بسبب ملكيتها للدولة وإدارتها لها، فإن نطاق حرية التعبير فيها محدود، ومثلما هي الحال في الدول الديكتاتورية، تأتي أخبار الرئيس وبياناته في مقدمة النشرات الإخبارية، ثم الأخبار العالمية "الأقل أهمية"، مثل انهيار برجي التجارة في نيويورك، وبدء حرب جديدة في الشرق الأوسط. ثم يمضى فيسك، في انتقاده للأوضاع في مصر، قائلاً "إن أخبار المظاهرات والإضرابات نادراً ما تتم الإشارة إليها في القناة الإخبارية الرسمية، كما أن جماعة الإخوان المسلمين ممنوعة من الذكر في برامجها". ويقول فيسك هذه هي الطريقة التى تدار بها مصر. وإذا قلنا إن مصر ديكتاتورية، ستقول لنا الحكومة إن الديمقراطية تستغرق وقتاً، على الأقل 29 عاماً تحت حكم الرئيس مبارك ولا يزال العد مستمراً. وتطرق الكاتب للحديث عن قضية خالد سعيد، الذي لقي مصرعه في الإسكندرية في يونيو الماضي، وشاع أن السبب وراء قتله هو نشره لفيديو يكشف عن قيام بعض الضباط باقتسام كمية من المخدرات تم ضبطها. واعتبر أن هذه القضية مشابهة لقضية أخرى أجبر فيها رجل من الصعيد على الاعتراف بقتل زوجته بعد تعرضه للضرب من الشرطة، ثم فوجئ الجميع بها تظهر وتقول إنها اختفت لدى الجيران بعد شجار بينها وبين زوجها. وتزداد الشكاوى ضد الحكومة تقريباً كل شهر ما بين اتهامات بالفساد أو قمع حقوق الإنسان أو بسبب وحشية الشرطة، وهناك انتقادات واسعة للاتفاقية الجديدة التى وقعتها مصر مع شركات نفطية، والتي تقضى بتقاسم أرباح النفط الذي يتم استخراجه من الصحراء، الأمر الذى يعطي مزايا أكبر للمستثمرين الأجانب. أما عن التعليم، يقول فيسك إن نظام مبارك يلعب على مخاوف المسلمين والغرب، مشيراً إلى قيام وزير التعليم العالي، هاني هلال، بحظر ارتداء النقاب في الجامعات. كما تحدث عن قرار وزير التربية والتعليم، أحمد زكي بدر، بضرورة أن تقوم المدارس الدولية الخاصة بضم مواد اللغة العربية والدين وتاريخ مصر إلى مناهجها، وضرورة تحية العلم المصري يومياً. واعتبر فيسك أنه من سمات عصر مبارك أن تكون للمدارس الإسلامية مسحة علمانية، وأن تتذكر المدارس العلمانية الدين. وينتقل الكاتب للحديث عن الانتخابات، ويشبه تصريحات البرادعي، الذي يصفه بأنه محبوب من الشباب ومن الطبقة الوسطى في مصر، بأنه لن يترشح للانتخابات إلا إذا كانت نزيهة، بسؤال النيل أن يتدفق إلى المنبع. ويضيف، ربما يكون البرادعي "رجلاً لطيفاً" لكن الانتخابات المصرية التي كان الرئيس يفوز فيها دائماً بنسبة تتخطى 90%، لن تنصفه على الأرجح. وتحدث الكاتب عن ثلاثة مرشحين للرئاسة، الأول جمال مبارك، وقال إنه على الرغم من إنكاره ووالده أنه يريد أن يصبح رئيس مصر القادم، إلا أن صعوده المطرد في الحياة السياسية يشير إلى عكس ذلك، حيث يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه ولي العهد، وكان الحزب الوطني قد تبرأ من حملة الملصقات الأخيرة المؤيدة له. والمرشح الثاني، هو عمر سليمان، والثالث والأخير هو محمد البرادعي، الذي لم يؤكد بعد ما إذا كان سيخوض السباق نحو الرئاسة، لكن الكثيرين في مصر يأملون أن يصبح هو الرجل الذي يحقق الإصلاح الديمقراطي لبلدهم. أما عن مكانة مصر الإقليمية ووضعها كقوة عربية كبرى، فيقول فيسك إن دورها لصنع السلام في المنطقة يتلاشى لصالح تركيا، ومعاهدة السلام مع إسرائيل التي اعتقد السادات أنها ستمنح مصر المكانة الدولية قد حيدت استقلالها. وفي غزة تجد مصر نفسها تتصرف وكأنها قوة استعمارية تحاصر 1.5 مليون فلسطينى للإبقاء على الحصار الإسرائيلي. وقد أجبر التحالف الأمريكي - الإسرائيلي إلى جانب الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي، مصر على ما يشبه احتلال غزة، فمصر لم تفتح حدودها مع غزة قبل حادث أسطول قافلة الحرية لأنها ببساطة تخشى حماس أكثر من إسرائيل. فإذا كانت إسرائيل تعتبر حماس عميلا إيرانيا، فإن مصر تعتبرها عدوا. وستساعد مصر إسرائيل على محاصرة حماس لأنها تعتقد أن ذلك يحميها من العودة إلى "التمرد الإسلامي". وينهي الكاتب مقاله بالقول إن المصريين يعرفون تاريخهم، يعرفون أن جمال عبد الناصر كان يمثل البطولة والفشل، والسادات كان يمثل البطولة والسلام والإذلال، أما مبارك فسنرى ماذا سيمثل لهم عندما تشهد ساحة مصر رئيساً جديداً.