الزيادات التي أقرتها الدولة في أجور الأجراء ابتلعتها الزيادات في الأسعار.. وربما زادت زيادات أسعار المواد الإستهلاكية على نسبة الزيادات في الأجور بأضعاف المرات.. حتى بات الأجير "يحكم كرشه" خوفا من الزيادات في الأسعار كلما تم الحديث عن الزيادات في الأجور. المعادلة بين الأسعار والأجور معادلة صعبة والحكومات التي تسيطر على هذه العملية هي الحكومات الناجحة.. لهذا لا نجد حكومات الغرب الناجحة تتحدث عن الزيادات في الأجور بل تتحدث عن استقرار الأسعار.. لأن المهم ليس زيادة الأجور بل المهم هو الوصول إلى السلع والخدمات بقوة شرائية مقبولة لدى الغالبية العظمى من السكان! ولا يمكن أن يحدث السباق بين الأجور والأسعار إلا وكانت الأسعار هي الفائزة.. ولم يحدث في التاريخ الإقتصادي أن تسابق الأجر بالسعر وسبق الأجر السعر! لهذا لابد للحكومة في الجزائر أن تبحث عن صيغ أخرى لحل مشكلة العلاقة بين الأجر والسعر عند الأجراء بعيدا عن حكاية حماية القوة الشرائية للأجراء بواسطة الزيادات العشوائية وغير الجدية أحيانا. كما أن محاربة العوز والفقر بواسطة قفة رمضان وكل أساليب وأنواع المساعدات للمحتاجين، والتي تأخذ طابع التكرم على الفقراء من خزينة الدولة.. هي في النهاية مسكنّات لمشكل وليس حلولا جذرية، وقد تؤدي هذه العملية إلى زيادة البؤساء وليس إلى تناقصهم، وهذا بالضبط ما تعكسه أرقام وزارة التضامن التي تعلن كل سنة عن زيادة الذين هم في حاجة إلى قفة رمضان.. والذين هم في حاجة إلى محافظ مدرسية.. والذين هم في حاجة إلى كبش العيد.. والذين هم في حاجة إلى ختان جماعي! السير في هذا الطريق غير موصل، وأكثر ما يمكن أن تصل إليه الحكومة بهذا العمل هو تحويل الحكومة إلى أكبر جمعية خيرية.. في حين أن الحكومة ليست جمعية خيرية ولا يمكن أن تكون كذلك.. ومن يعتقد ذلك فهو واهم! لا يمكن أن نفهم مثلا: لماذا تتحدث الحكومة عن زيادات هامة في نسبة التشغيل في الجزائر إلى درجة تكاد تلامس نسبة التشغيل لدى الدول المتطورة، وفي نفس الوقت تتحدث أرقام القفف الرمضانية عن وجود فقر مهول ويتطور بمتتالية هندسية وليس بمتتالية عددية كما هو حال التشغيل! لا يمكن أن نكذب أرقام الحكومة في الفقر.. كما لا يمكن أن نكذب أرقامها في التشغيل.. لكن نقول فقط تأملوا هذه المفارقات العجيبة: عدد العاملين يزيدون وعدد البطالين يتراجع حسب أرقام الحكومة.. وعدد الفقراء يزدادون من خلال سياسة قفة رمضان وسياسة محافظ الفقراء حسب أرقام الحكومة نفسها! أيهما نصدق؟! أغلب الظن أن زيادة العاملين غير صحيحة كما أوردتها الحكومة، أم زيادة عدد الفقراء هي التي غير صحيحة! ما أريد قوله في هذا الشأن هو أن طريقة معالجة السلطة لموضوع الفقر في البلاد تتطلب مراجعة كلية، فقد تكون الحكومة تصرف أموالا طائلة على مناصب شغل وهمية..! أو تكون الحكومة تقوم بدفع مبالغ خيالية لمساعدة الفقراء عبر قنوات وهمية مثل قفة رمضان والشبكة الإجتماعية ومحافظ المدارس..! لقد سمعت منذ أيام أن وزارة التربية، مثلا، وفرت الكتب المدرسية بالمجان إلى التلاميذ، وهذا أمر جيد ويساعد بالفعل المحتاجين.. لكن لم أفهمه ما قالته الوزارة من أنها طبعت ملايين الكتب المدرسية كاحتياطي للسنوات القادمة؟! هل يعقل أن يطبع الكتاب المدرسي احتياطيا لسنوات قادمة؟! الكتاب المدرسي نفسه يتغير ويتطور كل سنة في نظم التعليم الجدية والجيدة.. فكيف يطبع هذا الكتاب ويخزن احتياطيا لسنوات قادمة..؟! قد تكون الوزارة لم تحسن القول في ما قالته.. أما إذا كانت بالفعل تطبع الكتب المدرسية وتخزنها فذاك البؤس بعينه..! أغلب الظن أن الوفرة المالية التي تعيشها البلاد وسخاء الدولة في مجالات التعليم والصحة والتضامن الإجتماعي قد فتح الباب إلى تحويل الدولة إلى أكبر جمعية خيرية، وأن الدولة لم تعد دولة بل أصبحت وكالة لغوث المحتاجين عبر قنوات الشفارة والمحتالين. ولله في خلقه شؤون..!