ينتظر أن تنعقد الثلاثية في أقرب الآجال لدراسة أوضاع الجبهة الاجتماعية وخاصة الأجور التي تبقى الشغل الشاغل للطبقة العاملة والسلطات على حد سواء بالنظر للجدل الكبير الذي أثارته في السنوات الأخيرة حيث عرفت الجزائر عدة تحولات متسارعة على مختلف المستويات، أفرزت واقعا جديدا وجب التعامل معه بطريقة جديدة تراعي مصالح السلطات والعمال. لم تنجح الزيادات الأخيرة في الأجور التي أقرتها السلطات سواء في جويلية 2006 التي كلفت 125 مليار دينار أو تلك التي مست الوظيف العمومي منذ جانفي 2008 في تحسين القدرة الشرائية للمواطن بالنظر للارتفاع الكبير لأسعار مختلف المواد الأساسية في مختلف المجالات، حيث أجهض السوق جميع محالاوت السلطة وجعلها تموت عند الولادة، فالفوضى التي تميز الواقع التجاري في بلادنا والمتسبب فيها ''مافيا'' خطيرة تقف عائقا أمام محاولات الدولة في رفع الأجور. فبعد اقرار الزيادات ارتفعت جميع أسعار المواد الغذائية بطريقة جنونية، منذ 2006 لم تعرف أية مادة غذائية انخفاضا في الأسعار عكس مختلف الدول المتقدمة والمتخلفة التي تعرف انهيار أسعار جميع المواد الاستهلاكية أو الخاصة بمواد البناء وحتى السيارات، بينما تعرف أسواق بلادنا منحنى متصاعدا منذ الاستقلال وهو ما يدعو للتساؤل حول الضوابط التي تحكم الأسواق الوطنية التي وصل بها الأمر الى وضعية يجب التصدي لها وإلا فالخطر سيكون أكبر مستقبلا وأية زيادات في الأجور إن لم تتبع بانشاء سلطة ضبط لمختلف المواد الاستهلاكية والأساسية، فالوضعية نفسها ستستمر حتى ولو ضاعفت السلطات الأجور ورفعتها الى 10 ملايين سنتيم. ولحسن الحظ، فإن التضخم الذي تقول السلطات بأنه لا يتجاوز 4 بالمائة عامل آخر يؤكد سيطرة الموازي على الرسمي حيث أصبح كل شيء ووصل به الأمر الى السيطرة على أكثر من 60 بالمائة من النشاط الاقتصادي وبالتالي علينا أن نقدر حجم التهرب الضريبي الذي يتجاوز سنويا أكثر من 30 ألف مليار سنتيم توجد خارج مجال المنظومة الرسمية وهي تتطور سنويا من خلال امتصاصها للزيادات في الأجور وبالمقابل تحرم صناديق الضمان الاجتماعي والتقاعد من أكثر من 2000 مليار سنتيم جراء عدم التصريح بالأشخاص ودفع حقوق الاشتراك والتكافل الاجتماعي وهو ما يزيد من تعقيد وضعية سوق العمل والأجور في الجزائر التي هي بحاجة الى مراجعة هيكلية تأحذ بعين الاعتبار جميع ما يرتبط بهذا الموضوع، لأن اقرار زيادات وترك المجالات الأخرى مهملة لن يفيد في شيء والرابح الأكبر سيكون كل ما هو موازي. وكان الوزير الأول السيد أحمد أويحيى قد أكد في العديد من المرات تخوفه من مواصلة نمو الاقتصاد الموازي الذي أحبط جميع مبادرات السلطة في تحسين القدرة الشرائية ووعد بمحاربته بقوة لارجاع قيمة الدينار الذي بات -حسبه يتم حسابه بالميزان، وعليه فاجراءات الزيادة في الأجور يجب أن تخضع لاعتبارات جديدة يجب أن نضمن لها التمويل من خلال خلق قيم مضافة واستثمارات جديدة لتجنب التأثر بانخفاض أسعار النفط التي تخلق أزمات كبيرة تدحض كل النجاحات التي يتم تحقيقها على مستوى الجبهة الاجتماعية. وأمام وعود رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة التي أطلقها من أرزيو من خلال زيارته الأخيرة في شهر فيفري الماضي، تؤكد عزم السلطات على مراجعة سلم الأجور مهما كانت التبعات، لأن الشعب الجزائري الذي صبر كثيرا، أكد الرئيس بأنه سيلتزم بتحسين القدرة الشرائية من خلال عديد الاجراءات وما سيزيد من قرب تجسيد هذا الوعد هو حديثه عن تطبيقه، إذا فاز بالرئاسيات وسيربط به الرئيس القادم، إذا لم يفز، وبما أنه فاز وبنتيجة باهرة كما طالب به مختلف الجماهير والحشود، فإن قضية رفع مستوى معيشة المواطن سيكون أول أولوية سيخوض فيها الرئيس. وتشير بعض المصادر بأن المركزية النقابية قد بدأت تتحرك لايجاد الأرضية المناسبة للاستجابة لانشغالات العمال سواء من حيث تخليص سوق العمل من العراقيل أو حل قضية الخوصصة والانتهاء من قضية الأجور المتأخرة ثم التطرق الى قضية الأجور التي ستكون فاصلة هذه المرة، لأن قرار الزيادة وحده لن ينفع، إذا لم يتبع باجراءات أخرى خاصة بمراقبة أسعار المواد الاستهلاكية والأساسية.