في الوقت الذي تعقد فيه الندوات العربية والدولية لتصفية الاستعمار في بعض الأقطار العربية والإفريقية والمطالبة بالتعويض عن نتائجه في كل من الجزائروتونس وليبيا وغيرها، تواصل إسرائيل أعمالها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وترفض الخضوع والرضوخ للقرارات الدولية لوقف أعمالها القمعية والعدوانية ضد الشعب الفلسطيني فضلا عن رفضها الانصياع لوقف الاستيطان في مدينة القدس والأراضي الفلسطينية ومواصلة حصارها الجائر لأهالي غزة ومدينة القدس. فالاستيطان الإسرائيلي في القدس والأراضي العربية المحتلة أسوأ من الاستعمار الذي جثم على صدور الدول العربية والإفريقية منذ زمن طويل فقد أقامت إسرائيل في مدينة القدس 26 مستوطنة جميعها على أراض فلسطينية واستولت عليها بالقوة فضلا عن سعي إسرائيل لهدم 17 ألف منزل في مدينة القدس من أصل خمسين ألفا وتحويل العدد الآخر الى حدائق خضراء وهدم منازل أخرى بحجة بنائها دون ترخيص. ولعل الحرب الثقافية التي تمارسها إسرائيل عبر جماعات يهودية في المدينة أسهمت في تغيير المصطلحات داخل أحياء البلدة في محاولة لإضفاء الطابع اليهودي على القدس لأن هذه المدينة بالنسبة للعربي والمسيحي ليست مجرد أرض أو شاخصة من شواخص التاريخ، بل إنها الضمير العربي الذي يستحضر دائما خطوات السيد المسيح عليه السلام على ترابها، ويتذكر دائما مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم الى مسجدها وصخرتها ويستعيد فتح الخليفة عمر بن الخطاب لها. إن هذه الأعمال العدوانية لإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لا تقل شأنا عن الدور الاستعماري للدول الكبرى التي أغرقت دولا عربية وإفريقية بسياستها الخرقاء واستغلت هذه الدول وسرقت ثرواتها الوطنية، الأمر الذي ينبغي دعم مواقف الجزائر بدعوة الهيئات الحقوقية الدولية التي أسندت إليها مهام استطلاع وحماية حق الرأي والتعبير ومكافحة أعنف ضد المرأة لزيارة الجزائر خلال هذا العام والوقوف على أوضاع وتطوراتها الإيجابية، خاصة بعد طرد المستعمر الفرنسي الذي لعب دورا كبيرا في إلحاق الأذى بهذا البلد العربي عبر سياسة المستعمر التي لم تكن تُريد للجزائر ولغيره سوى المزيد من التدهور والتراجع والخضوع للسياسة الاستعمارية الفجة. فالدعايات الاستعمارية المضللة تتبنى للأسف الدور "الإيجابي" للمستعمرين وترى أنه من المصلحة بقاء الاستعمار فإسرائيل من الدول الاستعمارية والاحتلالية والتي يجب مقاومتها أيضا لأنها مع المستعمر تحاول ضرب الأمة وهذه الدول أقامت إسرائيل لكي تحول دون نهضة العرب دون وحدتهم، الأمر الذي جعل هذا الفعل الاستعماري البشع الأثر في إيقاظ أمتنا ورفع مستوى وعينا ونضالنا لكي يتم توحيد الصفوف لإجبار إسرائيل على الرضوخ للقرارات الدولية ولاشك أن ثورة الجزائر ضد المستعمر يمكن أن تسمى بأنها معجزة القرن؛ إذ لا يمكن أن نتصور إمكان القيام بهذه الثورة لولا أن الجزائر قطر عربي ويتميز بأواصر روحية وتاريخية بالعروبة والقومية وبالتالي لم يندفع هذا الشعب الجزائري بذلك العزم والتصميم والكفاءة والقدرة لمواجهة الاستعمار ما لم يكن مطمئنا بقدرته وبوقوف الشعب الى جانبه في مرحلة النهوض والانبعاث الوطني والقومي، ما أسهم في نجاح هذه الثورة الجزائرية الخالدة. فالمطلوب تشكيل هيئة عربية تضم عددا من الفعاليات السياسية والثقافية والاقتصادية كي تعمل جاهدة على تصفية الاستعمار وآثاره في الوطن العربي وإفريقيا والتصدي لإمكانات تكرار هذه الظاهرة خاصة بعد احتلال أمريكا والعديد من الدول الغربية للعراق واستمرار سياسة التهديد المتواصل لأقطار عربية أخرى. ولعل مطالبات الجزائرفرنسا بالتعويض على ما قامت به من عمليات قتل بين الجزائريين؛ حيث تم استشهاد أكثر من مليون ونصف المليون جزائري على يد المستعمر الفرنسي ليس بدعة.. أو يمثل إجراء جديدا في هذا العالم المتمدن، بل إن اليابان اعتذرت للصين ولكوريا ولأستراليا وللسكان الذين هجروا بلادهم قسرا وسحروا لخدمة مستغليهم، كما أن إيطاليا اعترفت مؤخرا بفداحة ما فعلته في ليبيا وأبدى رئيس الوزراء الإيطالي، برلسكوني، استعداده للتعويض على ليبيا عن حقبة استعمار بلاده، لأن هذه الجرائم التي ارتكبتها الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية وخاصة فرنسا وبريطانيا باستمرار عملية الاستعمار الجائر على شعوب المنطقة وخاصة الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين لا يمكن السطو عليه أو السقوط بالتقادم، فهذه التظاهرة الجزائرية تمثل خطوة إيجابية للحصول على حقوق هذه الشعوب المغاربية سواء أكانت من أعمال السلطات الفرنسية في المغرب وتونس أو غيرهما وكذلك العدوان الإسرائيلي على حمام الشط في تونس واغتيال المناضل أبو جهاد وكذلك القادة الفلسطينيين أمثال أبو إياد أبو الهول وغيرهم في لبنان وجرائم صبرا وشاتيلا التي اقترفتها إسرائيل لأن التعويض على أضرار هذا الاستعمار في هذه الالفية الثالثة يعتبر حقا من حقوق الشعوب التي أقرتها الأممالمتحدة وطالبت الدول الاستعمارية مثل فرنسا وإسبانيا وبريطانيا والولاياتالمتحدة بدفع التعويضات اللازمة لهذه الدول.. ومثل هذه التظاهرات الجزائرية التي دأبت القيام بها تعتبر عملية جادة نحو وضع نهاية للاستعمار بشتى أشكاله والاعتداء الصهيوني على الأراضي العربية المحتلة وهذا ما ينبغي أن تقوم به الجامعة العربية لمساندة هذه الندوة والتظاهرة لتقديم التعويض العادل للشعوب المستعمرة وللفلسطيين بوجه خاص.. لاسيما أن هؤلاء المشاركين في هذه الندوات سبق أن طالبوا بضرورة تصفية قواعد الاستعمار في المنطقة والتحرك العربي والدولي من أجل التعويض عن جرائم هذا الاستعمار الاجنبي البغيض لهذه الدول العربية أو الإفريقية وكذلك دعوة إسرائيل لوقف أعمالها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. فمطالبة الفلسطينيين والشعوب المحبة للسلام عبر هذه الندوة الجزائرية الجادة والمفعمة بالأمل في مناصرة شعوب ودول العالم لها تؤكد على ضرورة مساءلة إسرائيل عن انتهاكها للقرارات الدولية وتدميرها للمشاريع التحتية في كل من غزة والضفة الغربيةوالقدس واستهتارها كالدول الاستعمارية بقواعد القانون الدولي وبكل أشكاله، الأمر الذي يتطلب من المجتمع الدولي ضرورة إلزام إسرائيل بحماية وحدة الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967 والتي ستقوم عليها الدولة الفلسطينية والتدخل لرفع الحصار عن أهالي غزة والوقف الكامل والسريع للأنشطة الاستيطانية في كامل الأراضي الفلسطينية بما فيها القدسالشرقية ومحيطها والتي لا يمكن القبول بها أو باستثنائها تحت أي ظرف كان لاسيما في ظل استمرار إسرائيل في فرض الوقائع على الأرض بهدف تغيير طابع المدينة وتعميق ضمها لإسرائيل، الأمر الذي يتطلب من الأممالمتحدة دعم كل المشاريع الرامية لتصفية الاستعمار والتي تلقى الجزائر نتيجة دعوتها لهذه التظاهرة كل التأييد، لأنها خطوة عادلة وجريئة من أجل التعويض على الدول المتضررة وتشكيل اللجان الدولية والعربية لحصر وتقدير الآثار المادية والمعنوية للاحتلال وذلك نظرا لمحدودية توثيق المرحلة الاستعمارية واستحواذ المستعمر على الوثائق نفسها من هذه الدول والتي تشمل إنهاكات استعمارية ذات أبعاد حقوقية وثقافية وحضارية واقتصادية وإعلامية وسياسية وهذا العمل يحتاج الى تضافر الجهود بشكل كامل بغية إنهاء هذه الممارسات وتأكيد حق نضال الشعوب في الحصول على حقوقها بتعويضات عادلة وسريعة. ولعل احتفال الجزائر خلال منتصف هذا الشهر بالذكرى الخمسين لصدور اللائحة الأممية 1514 الصادرة بتاريخ 14 ديسمبر 1960 والقاضية بمنح الاستقلال للبلدان وللشعوب المستعمرة بإشراف وزارة الشؤون الخارجية والوزارة المكلفة بالشؤون المغاربية والتي ستشارك فيها عدة شخصيات دولية يتقدمها ممثل عن هيئة الأممالمتحدة ورئيس مفوضية الاتحاد الافريقي، جان بينغ والأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، وعميد رؤساء الدول الإفريقية، رئيس زامبيا السابق، كينيث كاون، 1964 - 1991 يمثل خطوة إيجابية وجادة للوقوف على التحولات الجذرية المسجلة في الساحة الدولية حول الاستعمار والتي لعبت الجزائر، كما يقول الوزير المنتدب للشؤون المغاربية، عبد القادر مساهل، دورا بارزا ورئيسا في إصدار هذا القرار بعد معاناة كبيرة للعديد من الدول العربية والإفريقية من هذا الاستعمار البغيض الذي سرق ثروات الأمتين العربية والإسلامية والحق الضرر باقتصادها فضلا عن إقدامه على قتل الملايين من أبناء هذه الدول لبسط السيطرة عليها كما هو الحاصل في فلسطين من قبل إسرائيل والعراق من قبل الولاياتالمتحدةالامريكية وغيرها من الدول. الأمل كبير في نجاح هذه التظاهرة الدولية بالجزائر والى السعي لوضع نهاية لاحتلال إسرائيل وتجريم أعمالها ومطالبة الدول الاستعمارية كافة بالتعويض العادل للدول المستعمرة عبر عشرات السنين دون وجه حق.