تساءل بحليطو في آخر افتتاح له "هل نحرق معاهد الأدب ؟" ذلك أنه صعق للمستوى العلمي المتدني للطلبة والأساتذة المشاركين في الملتقى الدولي 13 للرواية، ابن هدوڤة. هو حضر هامشا ضيقا من الملتقى (فترة قصيرة) ليطلق حكما مطلقا، فكيف لو حضر الملتقى كاملا ؟ إذن لطالب بحرق نفسه، حضره زائرا ولم يكن مشاركا، تماما مثلما حضر بعدها إلى المطعم ليطعم نفسه، ويأكل مع الطاعمين ما لذ وطاب من المطعومات، هنيئا بما أسلفتم بالأيام الحالية. ثم غادر المدينة ولم يعد، واستأنف الملتقى أشغاله بفعالية وانتظام، عرضت البحوث والورقات النقدية بأسلوب منهجي عميق وجديد، كشف الجوانب المضيئة، والهوامش المخفية في آثار ومؤلفات الأديب المحتفى به، الشعرية والنثرية والترجمات وكذا الأعمال الإذاعية. استعمال الرمز والأسطورة، من المخيال الثقافي والموروث المحلي، مفهوم القرية والمدينة في العمل الروائي، الدفاع عن قيم الحرية والعدل، وتعرية المجتمع الإقطاعي في رواية ريح الجنوب، الأدب الثوري. ثم عمقتها وأثرتها مشاركات الطالبات الوافدات من جامعة خنشلة بفعالية ونجاعة ووعي. أحدثها التفاعل مع العروض والتواصل والسؤال الحي. عكس ما ادعاه المناجير، رجما بالغيب، حضر الأستاذ بوطاجين الملتقى كاملا، ثم كتب عن مشاكل معاهد الأدب بقدر من المعقولية والروية. كما كتب لحبيب السايح عن الموضوع معتبرا أن معاهد الأدب "تعلم الأدب كفرع للشريعة" بمعنى التصدي للأدب بمعيار أخلاقي. أي التفسير الديني للأعمال الإبداعية، نظرة أخرى ضيقة، وموقف ذاتي ومنحاز. تدل على قناعات فكرية جاهزة، فالجامعة مدى مفتوح على كل التيارات والممارسات، فالعلمانيون يريدون الأدب علمانيا، وأتباع اليسار أو ما تبقى منهم، يريدونه أدبا يساريا والإسلاميون يريدونه إسلاميا. وهكذا... فلماذا لا تقبل التفاسير النقدية كافة ؟ كالتفسير الاجتماعي والتفسير المادي، والتفسير الديني، وحتى التفسير السيكولوجي، فالعمل النقدي منظومة معرفية متداخلة ومتكاملة، بمناهج وتيارات مختلفة. فمهما كان الأدب والفن فإن قبيحهما قبيح، ومليحهما مليح، حيث البقاء للأصلح أو البقاء للأملح. إن التخلف العلمي والأدبي صورة للتخلف الحضاري، والتعليم الجامعي هو جزء من النظام السياسي العام، فإذا مرض الرأس مرض الجسم، فتداعت له كل الأجسام بالسهر والحمى. قيل أن المعاهد العلمية عندنا تسلم شهادات ولا تعطي مهارات، كما أنها مسرحا لإعادة إنتاج المنتوج الثقافي السابق: قال بارث، قال باشلار، قال قريماس، قال سارتر...، دون إضافة لتجديد أو إبداع جديد. ننتظر من سقراط، ومؤسسة سقراط، تقديم مشاريع أو بدائل للإصلاح، لتخرج أجيالا من الطلبة والمؤطرين المؤهلين للإصلاح، مع أن الفكر العربي توقف عن إنجاب المفكرين والفلاسفة منذ أبو الوليد بن رشد الشارح الأكبر، فكل الذين يتخرجون من هؤلاء أو أولئك لم يأتوا من المريخ، بل هو صناعة جزائرية لكن بتكوين شرقي أو غربي. غمرنا أهل البرج بكرمهم ونبلهم بدءا من مديرية الثقافة، وعلى رأسها السيدة الفاضلة المكلفة بالملتقى، ومصلحة الآداب، إلى المبدعين الكرام مع حفظ الألقاب. كما غمرتنا السماء بثلجها يتهاطل علينا كأجنحة القطى، أو العهن المنفوش، فمشينا في قعر المدينة ملتحفين بوشاح من البياض الناصع،كأننا في مدينة الضباب. هنا قلت لمحي الدين الشاعر بحضور أستاذ يمني أنظرا: البرد ينفث ثلجه من حولنا وأنا أحس بأنني مقرور. يا برج أين الدفء إني تائه هل تنقضي أم ليس بعدك دفء ودعنا الأصحاب والخلان، وفي نفوسنا حاجات من عيسى إلى عبد الكريم إلى السعيد، كما ودعنا المدينة الفيحاء على إيقاع الشاعر العربي القديم: لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم تسعد الحال