لا أحد ينكر أن وزارة الثقافة نجحت في احتضان مهرجانات تشكلت بملامح عربية وإفريقية وحتى دولية خصصت لها ميزانيات بالملايير يكون التعريف بالثقافة الجزائرية مبررا لها، إلا أنها لم تتمكن في المقابل من إعطاء دعم حقيقي للتواجد المحتشم لمجلتيها ”آمال” والثقافة” حتى محليا الثقافة الجزائرية بكل زخمها وأطيافها وألوانها تفتقر، إلى اليوم، إلى مجلة ثقافية حقيقية تفرض بصمتها على المشهد الثقافي المحلي في ظل غيابها حتى عن متناول المثقف الجزائري الذي يستوجب عليه الدخول في رحلة بحث طويلة للحصول على أحد أعدادها الفصلية. والرهانات الكبيرة التي تتحدث عنها وزارة الثقافة في مختلف المجالات والتي جاءت بعد نجاحها في رفع قيمة ميزانيتها من 0.1 بالمائة من ميزانية الدولة في2000 إلى 0.7 بالمائة في 2010 حسب ما صرحت به وزيرة الثقافة مؤخرا، إلا أن هذا الريع لم يستغل إلا في مجالات بعينها خاصة تلك المهرجانات التي احتضنتها وتحتضنها الجزائر والتي استنزفت الملايير من ميزانية الدولة بغض النظر عن المكسب أو الجدل الذي عادت به على الثقافة الجزائرية. وفي المقابل، فإن الوزارة لم تنتبه إلى ضرورة تبني رهان أوسع وإعطاء طموح أكبر لمجلتيها اللتين عادتا من بعيد بعد غياب أعدادها لسنين بسبب أو لآخر، إلا أن هذه العودة لم تشكل فارقا في ظل استمرار غيابها محليا واقتصارها على منافسة المجلات الجزائرية التي تصدر هنا وهناك، وبالتالي استبعاد فكرة مزاحمتها لأكبر المجلات العربية على عروشها في الريادة الأدبية عربيا وفي عقر ديارهم. فمجلة ”آمال” التي كانت قد صدرت في السبعينات واختفت لسنوات، قبل أن تعود من جديد في 2008 محاولة في ذلك اقتحام بحور الشعر والغوص في أغوار الرواية والفكر الجزائري لا تشكل مكسبا حقيقيا، بالنظر إلى محدودية انتشارها وهو نفس الحال مع مجلة ”الثقافة” وإن كانتا فضاء إضافيا لبعض الأقلام الجزائرية، إلا أن ذلك لا ينفي أن إبداعاتهم تبقى في المقابل رهن الحدود الجزائرية، ولا يمكن التعريف بها عربيا وهو الطموح الذي يراهن عليه أي مبدع جزائري. وإذا انتقلنا إلى العالم العربي فإننا نكتشف أن هناك مجلات على غرار ” العربي” الكويتية و”الرافد” الإماراتية قد نجحت في تخطي عتبة القارئ المحلي، وهي تفرض تواجدها عربيا حتى أنها أصبحت من المجلات الرائدة، بل وتحولت إلى معالم ثقافية وأدبية قائمة بذاتها في قدرتها على إثارة القضايا الثقافية والفكرية وتبني أهم إشكاليات الحياة العربية الراهنة من خلال مواكبة الحدث الأدبي والفكري في العالم ككل. فالمجلات الثقافية إذن، ورغم الدور الكبير الذي لعبته في حملها لقضية شعب في الفترة الاستعمارية وأحصيت بالعشرات وقتها، فكانت بمثابة صوت آخر للشعب الجزائري بمختلف تياراته وأفكاره ووسيلة من وسائل مقاومة الاستعمار غابت أهدافها اليوم، وإن كان هذا الغياب لا يتوقف على وزارة الثقافة بل حتى في باقي المجلات الأدبية والثقافية لتنحصر أعدادها مع مرور الوقت.