يبدو أن باريس قد اتعظت من “الدرس التونسي”، وكيف صورت تصريحات السلطات السياسية الفرنسية، باريس، بأنها “جاهلة” لما يدور حولها، ولم تحسن تقدير الأمور وفشل جهازها الاستخباراتي في معرفة ما يدور عند “الجيران”. فقد تفادى رئيس الحكومة، فرونسوا فيون، أمس “التنبؤ” بحصول السيناريو المصري والتونسي في دول كالجزائر وليبيا والأردن وسوريا، وذلك “احتراما” لخصوصية كل دولة والفروقات القائمة بينها. واعتبر فرانسوا فيون أن وجود تطلعات مشتركة بين شعوب هذه الدول لابد أن لا يحمل على التبسيط وتجاهل الخصوصيات والفروق القائمة بين البلدان، وقد تعاظمت مؤخرا التحليلات السياسية وغير السياسية بشأن إمكانية حدوث “انتفاضة” أو هبة شعبية للمطالبة بالتغيير في الجزائر ودول أخرى عربية بعد تونس ومصر. وقال فرونسوا فيون، أمس، في حوار لصحيفة “الحياة” عشية بداية جولته الخليجية، إنه “علينا تجنّب التفكير في أوضاع جديدة، وفقاً لصيغ موضوعة مسبقاً”، ونأى بنفسه عن “إطلاق التنبؤات” فيما يتعلق باحتمال ما سيحدث في الجزائر، خاصة مع دعوة بعض الأطراف إلى مسيرة وطنية اليوم ل”المطالبة بالتغيير”، رغم الاهتمام الكبير الذي أصبحت توليه لما يحدث في الدول العربية، خاصة شمال إفريقيا، التي تسعى إلى استعادة مجدها الضائع من خلال هذه الدول، والذي ظهر في الفترة الأخيرة عقب أحداث تونس التي شكلت “صدمة” لباريس ودفعت بها إلى طلب موفدها في الدول العربية إلى تقصي الأوضاع والمعلومات بشكل أفضل. ورغم تأكيد فرونسوا فيون على أن بلاده “لا تضع نفسها في موقع مطلقي الإرشادات”، استطرد بدعوة قادة هذه الدول إلى الرد على تطلعات شعوبهم على أن تشجع باريس القادة الذين أطلقوا إصلاحات من أجل المضي على هذا الدرب . وأكد على عزم باريس اتباع مبدأين واضحين يتعلقان بعدم التدخل وترك تقدير المستقبل إلى شعوب المنطقة العربية وعدم محاولة الحلول مكانه، ولكن باريس قررت بالمقابل، حسب تصريحات فرونسوا فيون، دعم من تعتبرهم شعوبا يطمحون إلى حرية وكرامة أكثر من خلال احترام قيمها ومبادئها الكونية الممثلة في “مشاركة الشعوب في أملها بالتقدم نحو المزيد من الحرية والكرامة“، ولكنه لم يفصح عن ماهية هذه المشاركة التي تريد باريس أن تتقدم بها لشعوب معينة . وفي سياق تعليقه على الأحداث الأخيرة التي هزت دول رؤساؤها حلفاء وأصدقاء لفرنسا والغرب اعتبر فرونسوا فيون أن ما حدث في تونس كان ثورة حقيقية “سلمية” نجح فيها الشعب التونسي في إمساك مصيره بيده، وقال إن باريس ستسعى لمساعدة تونس في إنجاح عمليتها الانتقالية وإحلال ديمقراطية دائمة وهادئة. كما رفض فرونسوا فيون تحديد موقف باريس من إمكانية تنامي القوى الإسلامية في المنطقة، واكتفى بالقول إن المهم هو احترام القيم الديمقراطية ودولة الحق وحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وأن تكون كل القوى السياسية المتمسكة بهذه القيم مخولة المشاركة في اللعبة السياسية.