الوتائر التي تتسارع بها الاحتجاجات الاجتماعية في الجزائر تدل على أن الجزائريين يبحثون عن طريقة ما لإنجاز تغيير يريدونه جذريا وحاسما! كما أن المكان الذي يستقطب هذه الاحتجاجات يدل على تطور نوعيّ في تحديد المسؤوليات. وعندما تقول حنون: إن الاحتجاجات أمام رئاسة الجمهورية تدل على أن كل الأمور أصبحت بيد الرئيس! ومعنى هذا الكلام الحنوني أن الشنابط الذين يهددون بمحاصرة الرئاسة وليس وزارة الداخلية أو الحكومة يدركون أن مشكلتهم لا تحل إلا بأمر من الرئيس نفسه. وأن الأساتذة المتعاقدين هم أيضا عندما يتظاهرون أمام رئاسة الجمهورية يدركون أن مطالبهم ستحل بإشارة من الرئيس! وليس من وزير القطاع أو أية جهة أخرى! التفسير السياسي لتمركز الاحتجاجات أمام رئاسة الجمهورية وليس أمام البرلمان أو الحكومة أو الوزارات كما كان من قبل، هو أن جهة ما تقول للمحتجين: "إن الرئيس هو المسؤول" وأن البرلمان والحكومة والوزراء وبقية مؤسسات الدولة لم تعد هيئات تصلح لأن تكون "واقي الصدمات" أو كبس الكهرباء يقي الرئيس من اضطرابات الضغط العالي! بل الرئيس هو الذي تحول إلى كبس يحمي هذه المؤسسات من الضغط العالي! والسؤال المطروح هنا: لماذا يتمسك الرئيس بمؤسسات يقال أنها دستورية وهي لم تعد تصلح حتى كمكان لممارسة الاحتجاجات ذات الطابع الاجتماعي والمغلفة بالسياسة؟! تمركز الاحتجاجات أمام الرئاسة له معنى واحد.. هو أن أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة تريد التنصل من مسؤولياتها فيما يحدث في البلاد وتحيل كل شيء إلى الرئاسة والرئيس! والغريب أن المؤسسات الحزبية للتحالف الرئاسي التي حكم بها الرئيس في البرلمان والحكومة وبقية المؤسسات لا ترى في هذه الاحتجاجات التي تصعدت حتى وصلت إلى رئاسة الجمهورية.. لا ترى فيها أية خطورة عليها.. بل وتعتبر نفسها غير مسؤولة أمام هذه الاحتجاجات.. بل عمد بعضهم إلى تشجيع هذه الاحتجاجات وتصعيدها لأغراض سياسية! حتى الآن مصالح الأمن تواجه هذه الاحتجاجات بحكمة، بحيث لم تفلت الأمور بعد.. لكن هذا لا يعني أن الأمور لا تزال تحت السيطرة كما يحاول البعض إقناع الرأي العام. لأن مجرد وصول الاحتجاجات إلى رئاسة الجمهورية معناه أن هناك تطورات نوعية في موضوع الاحتجاجات، وهي تطورات ذات دلالات سياسية بالتأكيد، والرئيس بوتفليقة لا يمكن أن يسكت عن مؤسسات حكم لم تعد صالحة حتى لممارسة الاحتجاجات أمامها، فما بالك بمعالجة جدية لها. إن تمركز الصلاحيات في يد الرئيس يعني أنه هو المسؤول وحده عما يحدث في البلاد!