هل ستتمكّن حقّا “ثورات” الشارع العربي من بناء أنظمة ديمقراطية حقيقة؟ وهل ستتخلّص الشعوب العربية حقا من الأنظمة الدكتاتورية، وتحمل إلينا قيم العدل والمساواة والشفافية في تسيير شؤون الحكم والمال العام، ويصبح المواطن العربي مواطنا بمعنى الكلمة وترتقي بأوضاع المرأة التي تصبح بدورها مواطنة كاملة الحقوق قادرة على المبادرة والتأثير في المجتمع العربي؟ قد أبدو متشائمة جدا حين أقول إنه، باستثناء ما يحدث في تونس من تطورات، لا أرى أن حراك الشارع العربي من محيطه إلى خليجه سيتمخض عن أشياء إيجابية، ولا أرى أنها ستمكن المواطن العربي من تحقيق الديمقراطية بمفهومها العصري؛ بل ربما ستدخلنا في متاهات لا تقل خطورة على متاهات الأنظمة الدكتاتورية التي خلَفت الأنظمة الاستعمارية وكانت أبشع منها وأكثر ظلما للشعوب منها. ما يجري في الشارع العربي وما تروّج له الجزيرة والعربية وفتاوى القرضاوي، يراد منها التمكين للإخوان المسلمين من الوصول إلى الحكم، وفرض الأنظمة التيوقراطية، التي تعتبر الديمقراطية في مفهومها كفرا. فثورات الشارع العربي قد تنتهي إلى ما انتهت إليه ثورة الشعب الإيراني سنة 1979 التي مكنت المُلالي من الوصول إلى سدة الحكم، ونسفت بذلك كل أسس الدولة العصرية التي كان يصبو إليها الثوار الإيرانيون من غير الملالي، كمجاهدي خلق والقوى الإيرانية الأخرى التواقة إلى الحرية، وها هو الشعب الإيراني اليوم يعاني الدكتاتورية والتقتيل والترعيب على يد نظام أحمدي نجاد وما زالت طهران تهتز من حين إلى آخر على وقع المظاهرات منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي شكك الإيرانيون في صحة نتائجها. الشعوب العربية على موعد مع أنظمة إسلامية بعضها متشدد، وقد تعود بالمجتمعات العربية قرونا إلى الوراء، إلا إذا ما اتبعت النموذج التركي الذي يلقى إجماعا عربيا ودوليا بأنه الأنجع والأكثر ملاءمة للمجتمعات العربية والإسلامية التي لم يسعفها الحظ؛ لا أثناء الفترة الاستعمارية ولا بعد الاستقلال، من بناء أنظمة ديمقراطية سوية، بل ابتليت بما هو أبشع من الحكم الاستعماري. ونموذج القذافي وبن علي ومبارك وغيرهم خير دليل على ذلك. نشر بتاريخ 2011.03.23