عندما يقول رجال السلطة في الجزائر: إن الجزائر لاتشبه تونس ومصر فهم على حق فيما يقولون.. لأن مشكلة تونس ومشكلة مصر تكمن في البحث عن الرشادة الاقتصادية لخلق الثورة الوطنية وتوزيعها بعدالة على المواطنين! أما الجزائر فمشكلتها ليست في وجود الثروة بل في توزيعها بعدالة على الناس! أما إنتاج الثروة فذاك أمر آخر لا يطمح إليه الجزائريون سواء على مستوى السلطة أو على مستوى المواطنين! الجزائر رصدت مبالغ مالية هامة لإنجاز مئات الآلاف من المساكن التي توزع على المواطنين عند اكتمالها.. لكن الذي حصل هو أن فشل السلطة في إيجاد صيغة مقبولة شعبيا لهذا التوزيع جعل عملية التوزيع مثار احتجاجات شعبية عاصفة بالأمن والأمان في البلاد.. ولهذا عمدت السلطات إلى تجميد عمليات التوزيع للمساكن مخافة أن يتحول التوزيع إلى ما يشبه الثورة في تونس وفي مصر! وهكذا تحول الفساد الذي يمارس في توزيع المساكن إلى عامل تجميد للعملية برمتها وتحويل المشروع من حالة تخدم سمعة السلطة لدى الشعب إلى حالة تزيد في تدهور سمعة السلطة لدى المواطنين! أغرب ما سمعت في هذا السياق أن الحكومة أمرت بتجميد توزيع المساكن إلى حين استقرار الأوضاع المضطربة في البلاد.. أي أن إنجاز المساكن الاجتماعية تحول من عامل إرشاء المواطن إلى عامل إثارته ضد السلطة! الآن مئات الآلاف من المساكن الاجتماعية مكتملة عبر العديد من الولايات ولكن توزيعها على المواطنين جُمّد إلى إشعار آخر! والمواطنون يهددون باحتلال هذه المساكن إذا لم توزع عليهم بالطرق العادلة! المصيبة أن دواوين الترقية والتسيير العقاري عمدت إلى تكوين شركات حراسة أمنية لحماية هذه المساكن من المواطنين.. وتدفع الدواوين مبالغ خيالية للحراس لحراسة مساكن منجزة والمفروض أنها توزع ويدفع ساكنوها الإيجار! ويحدث هذا دون أن تسأل أي جهة عن هذا التصرف في هدر المال العام لأسباب تتعلق بحماية البلد من الانفلات؟! حقيقة الجزائر تختلف عن بقية الدول.. فلا توجد دولة يمارس فيها سوء التسيير والفساد على نطاق واسع مثل الذي يحدث في الجزائر.. ويحدث هذا الفساد بالقانون وبالتعليمات! البلد أصبح بالفعل أسيرا لسوء التسيير العام.. وأسيرا لفقدان الثقة في نزاهة مؤسسات الدولة.. تلك هي المشكلة!