صدر، مؤخرا، عن دار الحكمة، كتاب “زهوة” للكاتب الحبيب السايح، حاول من خلاله الاقتراب من تاريخ الجزائر خاصة في جانبه المتعلق بحرب التحرير والعشرية السوداء، دون أن يلبس ثوب المؤرخ، حيث كانت الرواية عبارة عن نص تداخل فيها الواقعي بالأسطوري من خلال إحالات وإشارات نحو التاريخ للخوض في أهم مفاصل أسئلته، وهذا بالعودةَ إلى أرض الأصول في رحلة البحث عن الحقيقة الكاملة. كتاب “زهوة”، الذي يعكس عنوانه الفرح والابتهاج والمسرة بغض النظر عن أكثر المراحل التاريخية الحرجة التي مرت بها الجزائر، هو مستوحى من “حفل راقص” يقام بولاية أدرار خلال اليوم السابع من الاحتفالات بذكرى المولد النبوي الشريف، يضم 27 مشهدا، اثنين منها لهما علاقة بفترة “المحنة الوطنية”، وكذا مرحلة الخيار الاجتماعي التي امتدت خلال فترة حكم الرئيس الراحل هواري بومدين، بالإضافة إلى فترة ما بعد الاستقلال مباشرة، من خلال اعتماد الكاتب الحبيب السايح في نصه على استعارات وكنايات وظفها بعناية، وحاول بها الاقتراب أكثر إلى الواقع الاجتماعي والثقافي والبيئي للجزائر العميقة، حيث تعد الرواية التي تقع في 342 صفحة، سفرا من المدينة الكبرى، أي العاصمة، إلى الجزائر العميقة التي تكتنز كما هائلا من الأسئلة التي تبقى الإجابة عنها مستمرة.وقد حاول الكاتب من خلال شخوص روايته التي اختار أسماءها بعناية بداية بالشيخ إدريس، أستاذ التاريخ عبد النور، الشاب يوسف القادم من الماضي والمحمل بأسئلة كثيرة عن أصله وفترات من مراحل حياة من سبقوه الحامل لتحمل قناعات وقيم محلية، السفر بين الواقعي والأسطوري ، وجمع أهم المتناقضات التي تشكل الإنسان على غرار “الحب والكراهية، الزهد والغواية، الوقار والنزوة، والخير والشر، والطمع والتعفف، والجريمة والصمت”، وكيف يصبح سؤال وجود الشخوص الرئيسيين هو بؤرة القلق لديهم. وأسماء الشخوص في الرواية مرتبطة بكل ما يتحرك في الفضاء الجزائري من أسماء قديمة لها دلالات في الذاكرة الجمعية التي اشتغل عليها الكاتب عن قصد، لأن النص يدور في بيئة تستلزم خلق أسماء تنسجم معها، وليضح في هذه الأسماء مجموعة من القيم والقناعات التي تقاسمها مع الجزائريين وخاصة في المدن والقرى التي ما تزال مرتبطة بجذورها وعناصر تراثها. كما سعى في نصه الأخير أن يجدد تعامله مع التاريخ الجزائري كما عودنا في رواياته السابقة، دون أن ينساق إلى مهنة المؤرخ بصياغة أسئلة تاريخية تمكنه من إعطاء قراءة أخرى للحادثة التاريخية التي يعكس متانة الرواية.