يسلط المسرحي والفنان القدير سليمان بن عيسى، الضوء من خلال هذا الحوار على عدّة قضايا متعلقة بالمسرح والشأن الثقافي، بالإضافة إلى جديده في عالم المسرح الذي قدم على ركحه مؤخراً بمسرح كاتب ياسين، بتيزي وزو، عرضيين مسرحيين مميزين. “الفجر” التقت به وكان لنا معه هذا اللقاء.. “أحمد باي” مفاجأتي المقبلة، واللغة الشعبية الأنسب للمسرح ما هي نظرتك اليوم إلى المسرح الجزائري؟ المسرح في الجزائر لم يجد ضالته اليوم، ليس لغياب الإمكانيات وإنما بسبب تهميش الكفاءات وأصحاب المهنة. ولعل ما يثير استفزاز المسرحيين والفنانين الجزائريين، هو لجوء وزارة الثقافة إلى جلب إنتاجات أجنبية وفنانين من الخارج لتنشيط أغلب الفعاليات الثقافية التي تقام هنا، في حين يتم تهميش أبناء الوطن، وهذا ما يجعل الوزارة تؤسس لغزو ثقافي في الجزائر من خلال إتاحة الفرصة للمنافسة الأجنبية في عقر دار لقمان. وليعلم أصحاب هذه التصرفات أن المال المدفوع لا يذهب إلى المخرجين الجزائريين، وإنما يخدم المحسوبين على هذا الوطن. ولكن عموما المسرح حاليا يبحث عن نفسه ولم يجد بعد طريقه للذهاب به بعيدا، وعلى المسؤولين إبداء الاهتمام بالفن الرابع و محترفيه. غبتم عن المشهد أكثر من عشر سنوات، وعدتم إليه اليوم، كيف كانت التجربة؟ كانت لديّ أسبابي لهذا الغياب، منها أنني أردت تغيير الجو دون نسيان الوطن الأم الذي قمت فيه ب1200 عرض مسرحي قبل أن أرحل من الجزائر عام 1994، لأعود إليها في 2003، كما أنني قمت ب1300 عرض عبر العالم، لاسيما بفرنسا، وكل تلك الأعمال كانت تعبر عن الجزائر. ونحن كمسرحيين نحمل الجزائر في أنفسنا ودمائنا وتفكيرنا، على غرار ما صنعه الكبار أمثال الراحل علولة وآخرون.. ثم إنني لم أكن غائبا لأنني بقيت متعلقا بالوطن رغم أنني قررت الرحيل الى الغربة، في الوقت الذي تعيش الجزائر أصعب مراحلها بسبب همجية الارهاب خلال سنوات التسعينيات، وكان من الصعب أخذ موقف آنذاك، فأنا رجل مسرحي حملت هموم الشعب وآلامه من خلال الخشبة التي كانت وطني الجزائر، بل ناضلت إلى أن جعلت خشبة العالم كلها جزائرية من خلال جولاتي عبر العالم. ماذا عن تجربتكم المسرحية خلال العشر سنوات التي مكثتموها في الخارج؟ البداية كانت من فرنسا، حيث كانت نقطة جولات عالمية قادتني إلى كل من سويسرا، بلجيكا، كندا، إلى جانب أمريكا. كما ترجمت أعمالي إلى لغات أخرى والعربية الفصحى، على غرار ما أقدمت عليه مكتبة الإسكندرية التي ترجمت بعض مسرحياتي من اللغة الدارجة الشعبية إلى اللغة العربية الفصحى، كنص”مجلس التأديب”، ونص”المستقبل المنسي”. بالحديث عن الترجمة، ألا تعتقدون أن تعميم اللغة العربية، لاسيما على الأعمال المسرحية، مشكل إيديولوجي؟ أعتقد أنه حان الأوان لتأسيس مسرح شعبي، يمس مختلف جوانب المجتمع، ويشترط هذا العمل الذي يستوجب متابعته بتمعن واجتهاد أن يتوفر لدى صاحبه مستوى ثقافي حسن ليتمكن من التوافق بين الطرفين، مع استعانته بالغة الشعبية في التواصل ليفهم عامة الناس مغزى رسالته، وأن يؤسس أيضا لقاء الشعب الحضري، حيث يوجد حاليا شبان مثقفون معربون يجب الاعتماد عليهم لتحسين هذه اللغة، لاسيما الشعبية التي تعد الأنسب للمسرح، كما أن اللغة توحد الشعوب. وماذا عن الاقتباس الذي بات شائعا في الأعمال المسرحية عندنا؟ أولا الاقتباس يجب أن يرتبط بطريقة جيدة لأنه تعريف بمسرح آخر للشعب الجزائري، ولكن إذا كان مجرد خطفات من لمحات مسرحية بسبب ضعف تصوير المؤلف فهذا لا يخدم المسرح ولا المؤلفين، وأنا ضدّ فكرة أن الاقتباس غزو ثقافي.. هل فكرتم التأسيس لتعاونية مسرحية؟ أبدا، لم أفكر بذلك، فأنا أريد التعامل مع المسارح الموجودة عبر الوطن فهي مؤسسات حضرية كاملة من حيث التقنيات، فيها ممثلون يحتاجون إلى تشجيع ومتابعة، وأؤكد لكم أنني لم أتقاضى أي أجرة باستثناء أعمالي المسرحية. لقد تقمصتم شخصية الزعيم مصالي الحاج في فيلم مصطفى بن بولعيد بكل احترافية، ما سر ذلك؟ ليس من السهل تقمص دور شخصية تاريخية بهذه السهولة بحجم مصالي الحاج، حتى للمحترفين؛ حيث يتطلب العمل جهدا كبيرا، ولم أصدق في البداية عندما عرض علينا المخرج أحمد راشدي الفكرة.. لقد كنت متخوفا في البداية، وكنت قد قمت بعدة أبحاث عن شخصية مصالي الحاج بالمعهد الوطني للأرشيف، لأن الموضوع لا يقبل أي خطأ، لاسيما من حيث المظهر الخارجي، حيث تنقلت إلى مونتريال أين أخبرني صديق أن ابنة مصالي الحاج تقطن بهذه البلدة وسارعت على الفور إلى ربط لقاء معها، وكم كانت سعيدة عندما عرفت بأنني سأتقمص دور والدها في الفيلم، وقد أعطتني طربوش والدها، وهذا ما جعلني أوفق في تأدية الدور، والحمد لله. ماذا عن علاقة المسرحي بن عيسى بمشروع المسرح التلفزيوني الذي تم إطلاقه عام 2009؟ أنتم تعرفون أن الانطلاق في العمل المسرحي يتطلب وقتا كبيرا ومالا، إلى جانب طول الفترة المخصصة للإنتاج. أما المشروع الذي تقصدونه، والخاص بتسجيل مسرحية في الشهر، على غرار ما حدث مع “مجلس التأديب”، فهذا مرتبط بحجم الوسائل المتاحة. كما أنني لا أخفي عليكم بطء المشاريع المسجلة في هذا الإطار، فانا أدعو إلى توفير تحكيم محكم والاعتماد على العمل المحترف لضمان الاستمرارية في الأداء. على أي نص يشتغل بن عيسى اليوم؟ هناك مسرحية “الموجة ولات”، التي سيحظى مسرح كاتب ياسين بشرف احتضان عرضيين مسرحيين، فهي تروي حكاية الجزائر منذ 1945 إلى يومنا هذا على الطريقة الشعرية، وأنا كنت أريد تسميتها”الجزائر”، لكن في الأخير قررت اختيار عنوان “الموجة ولات”، لأن هذه التسمية هي الأكثر شعبية عندنا. كما أنني بصدد التحضير لنص مسرحي يروي مسيرة “أحمد باي”، وهو العمل الذي سيشرف عليه الدكتور والمؤرخ محمد العربي الزبيري، على أن يكون جاهزا خلال رمضان من العام المقبل 2012، وهو الدور الذي أحن إلى تقمصه، فأنا أواصل سلسلة من الدراسات والأبحاث حول هذه الشخصية التاريخية، وأؤكد لكم أن كل حدث في الجزائر يعتبر مسرحية.