يكشف رئيس حركة حمس، أبو جرة سلطاني، في هذا الحوار، ولأول مرة، عن حوارات ومشاورات أجراها مع السجناء الإسلاميين حول موضوع حل المأساة الوطنية، مؤكدا أن الكثير منهم مؤهل لحل الأزمة نطالب الرئيس بحكومة تكنوقراطية للإشراف على استحقاقات 2012 لا نستبعد التحالف مستقبلا مع حزب جاب الله الجديد شريطة أن يتم عقد اتفاق مسبق بينهم وبين الجهات العليا، داعيا في سياق آخر إلى اتخاذ حكومة تكنوقراطية للإشراف على استحقاقات 2012 وهو الموعد الذي تدخله حمس بعيدا عن التحالفات، مبرزا أن التحالف الرئاسي أصبح اسما بلا فعل. كما جدّد مطلبه بالإسراع في تجسيد الإصلاحات قبل توتر الأوضاع، واعتبر أن إصلاحات 1988 ثم 1994، كانت تقنية إدارية، انتهى مفعولها تحت ظل قانون حالة الطوارئ. منذ بداية بوادر مشروع قانون البلدية وصولا إلى مشروع الإصلاحات السياسية، أصبحت حمس في واد، وأصبح شريكاها في التحالف الرئاسي في واد آخر، لماذا تطورت الأمور بهذا الشكل في هذه الظروف بالذات؟ بعض شركائنا يصرّحون بأن التحالف محصور في دعم برنامج رئيس الجمهورية وهذه مغالطة للرأي العام لأن وثيقة التحالف تتضمن 11 بندا منها دعم تنفيذ البرنامج الرئاسي، وحتى لو سلمنا بهذا فإن الإصلاحات المعلن عنها جزء مهم من برنامج الرئيس، لأن مبادرة الإصلاحات جاءت منه يوم 15 أفريل 2011، فلماذا لا نتعاون من أجل إنجاح الإصلاحات وإنقاذها من المتلاعبين بمشاعر الرأي العام ومن التعويم والتمييع؟ ماذا تقصدون بقولكم “إنقاذ الإصلاحات من المتلاعبين” ؟ خلال مناقشتنا مع هيئة بن صالح، لم نبلور رؤية مشتركة للتحالف ودخلنا المشاورات كثلاثة أطراف ووجدنا أنفسنا نتقارب مع التجمع الوطني الديمقراطي ونتباعد مع جبهة التحرير الوطني بسب غياب التنسيق في موضوع حسّاس يهمّ جميع الجزائريين. كانت الكثير من المقترحات السياسية الصادرة عن الشخصيات الوطنية والأحزاب والنقابات لهيئة بن صالح، تطالب بوضع حدّ لهيمنة التحالف الرئاسي على الساحة السياسية، كيف تنظر لهذا المطلب وهل تعترف حمس أن التحالف يتحمل مسؤولية الأزمة الجزائرية اليوم، لاسيما الاجتماعية منها؟ التحالف أصبح مثل قميص عثمان، كل من يريد أن يصفي حساباته مع النظام أو مع الحكومة أو يريد أن يتموقع، يحمّل التحالف مسؤولية الهيمنة والانسداد وكل الأزمات، والحق هو أن التحالف قوي بين 2004-2009؛ ثم تراجعت قوته وصارت لقاءاته بروتوكولية لتسليم الرئاسة الدورية وصياغة بيان ختامي. عشية مجلس شورى الحركة، كانت كل الأنظار تتجه إلى خروجكم عن التحالف وحدث العكس، ماهو مبرر بقائكم؟ هذا قرار مؤسسة مجلس الشورى الوطني، وليس لي أن أعقب عليه، ولكنني أفسر مبررات المجلس في الإبقاء على صورة التحالف كما هي؛ بأمرين، الأول أن الإصلاحات الجارية قد تغيّر الخريطة السياسية وتفرض تحالفات جديدة، والثاني أن الانتخابات المقرّرة سنة 2012 قريبة جدا وعندما تقترب مواعيد الانتخابات يختفي التحالف لصالح التنافس، ولذلك قدّر المجلس الموقر ترك القضية للزمن في انتظار ماسوف تسفر عنه نتائج الإصلاحات التي ينتظرها الجميع. يقال إن أبو جرة تريّث في البقاء في التحالف الرئاسي لحسابات لها علاقة بالمؤتمر الخامس للحركة من جهة، وكوطة الحركة داخل الجهاز التنفيذي من جهة أخرى .. هذا قرار مجلس الشورى وليس قرار رئيس الحركة، وبالتالي لا توجد حسابات المؤتمر الخامس ولا كوطة الحركة في الجهاز التنفيذي، وأذكر أننا في سنة 1997، لم نكن في تحالف وكانت حصتنا 7 حقائب وزارية ولما دخلنا التحالف سنة 1999، نزلت الحصة الى 4 مقاعد فقط، فقوة الحركة في رصيدها الإنتخابي الشعبي وليس في التحالف، وقد دخلنا استحقاقات 2007 كأحزاب لا كحلفاء، وسوف تتكرر العملية سنة 2012. هل يمكن القول إن ظروف استمرار التحالف الرئاسي غير متوفرة اليوم، لاسيما في ظل التحضير لاستحقاقات وإصلاحات، الكل يريد التموقع فيها؟ التحالف صار اسما أكثر من فعل. الرئيس بوتفليقة تأخر في الإعلان عما توصلت إليه لجنة المشاورات التي يترأسها عبد القادر بن صالح، إلى ماذا يعود الأمر حسبكم؟ التأخر ليس في صالح الدولة الجزائرية، وليس في صالح الاستقرار، فالزمن السياسي العربي متوتّر ومتسارع، لذلك ننصح بأن لا نفطر يوم العيد إلا على برنامج إصلاحات شاملة وعميقة وسلسة، قبل أن تتوتر الأوضاع مع الدخول الاجتماعي المقبل. هل هذا دليل على أنّ السلطة تريد ربح المزيد من الوقت والانتهاء بإصلاحات فوقية على شاكلة إصلاحات أكتوبر 1988؟ ربح الوقت يدفع إلى رفع السقف، والشعب الذي يطالب اليوم بإصلاحات شاملة قد يغير رأيه غدا ليطالب بما هو أعلى من سقف الإصلاحات، وقد تعلمنا من دروس الثورات العربية، أنه كلما طال الزمن كبرت الطموحات، وإصلاحات 1988 كإصلاحات 1994 كانت تقنية إدارية فانتهى مفعولها بسرعة تحت ظل حالة الطوارئ، واليوم تغيرت الظروف وعلينا أن نصغي جيدا للمطالب المشروعة التي ينادي بها جيل الاستقلال، قبل أن تفاجئنا الأحداث. كيف ستتصرف حمس لو بقي الأمر على حاله لشهور أخرى؟ نطلب من صاحب مبادرة الإصلاحات الرئيس بوتفليقة، أن يفعّلها، لأننا قلنا بوضوح لا يمكن أن نصلح بالمفسدين، وليس لنا ثقة إلا في رئيس الجمهورية، لذلك ندعوه اليوم إلى السهر شخصيا على إنجاح مسعاه في الإصلاحات بإبعاده عن بيروقراطية الإدارة، كما سهر شخصيا على مبادرته للوئام المدني والمصالحة الوطنية، فالإصلاحات لا تكون إلاّ بالأصالة، أما الإصلاحات بالوكالة فسوف تؤزم الأوضاع مهما كانت التفسيرات المقدمة. يقال إن هذا التأخر راجع إلى تمحيص من قبل المؤسسة العسكرية في هذه الإصلاحات، ماهو تعقيبكم؟ لا أعتقد ذلك، بل أرجح أن التأخير ناجم عن عجز الإدارة عن استيعاب ما يجري وعن مواكبة التحولات المتسارعة، فجهازنا الإداري بيروقراطي ثقيل؛ لأنه تعود على التسيير التكنوقراطي للمسائل السياسية، وهذه المسألة سوف تكون نقطة سوداء في مسار الإصلاحات. قيل إن بوتفليقة يحضر لجولة ثانية من المشاورات السياسية، هل تؤكّدون ذلك ؟ الباب مفتوح لاستكمال المشاورات مع الأوزان الثقيلة، أما من تمت مشاورتهم فينتظرون أن يستلموا خلاصة التقرير النهائي للمشاورات ليسجلوا ملاحظاتهم وتحفظاتهم زيادة في الجدية والشفافية. هل يمكن اعتبار مشاورات هيئة بن صالح فاقدة للموضوعية، في ظل مقاطعة كبار الشخصيات الوطنية، لاسيما المعارضة الثقيلة لهذا الموعد؟ تمنينا لو شارك كبار الشخصيات في رسم صورة الإصلاحات، فغيابهم يفقد الإصلاحات بعض مصداقيتها ولكن إذا أراد رئيس الجمهورية إضفاء المصداقية الكاملة على مشروعه فليعلن عن ميلاد جمهورية ثانية يتغير فيها نظام الحكم جذريا، هذا هو الذي ينتظره الرأي العام الوطني والإقليمي والدولي بعد مرور 50 عاما على الاستقلال. لماذا جمهورية ثانية الآن؟ لأن الجزائر تغيرت خلال 50 عاما، وصار التحول من حكم الأجهزة إلى حكم المؤسسات ضرورة وطنية، والتخلص من هيمنة الإدارة إلى دولة الحق والقانون مطلبا شعبيا، والفصل الواضح والصريح بين السلطات وتشبيب الدولة بمناسبة الذكرى ال 50 للاستقلال، هذه هي ملامح الجمهورية الثانية. هل أنتم مع إشراك الإسلاميين، حتى من تيار الفيس المحل، في مشاورات الإصلاح؟ نعم، لقد شاورناهم وحاورناهم داخل السجون وطلبنا رأيهم في حل أزمة المأساة الوطنية، وهم جزء من هذا الشعب، فلماذا لا نشاور عقلاءهم في إطار مصلحة وطنية شاملة وطي صفحة المأساة نهائيا والذهاب إلى عهد جزائري جديد، فمن شاورته شاركته في تحمل المسؤولية، وكما تحمل بعضهم المسؤولية في إعلان الهدنة من جانب واحد، يمكن أن يتحمّلوا مسؤولياتهم في ضمان نجاح الإصلاحات مدنيا، بعيدا عن العنف وعن أشباح 1992-2005، هم جزء من نسيج المجتمع، وإذا كان بعضهم شريكا في الأزمة فقد ساهم بعضهم في حلّها واستوعبوا الدرس، وكثير منهم مؤهلون ليكونوا شركاء في الحل بشروط يتم الاتفاق عليها مع الجهات العليا، فالجزائر بحاجة إلى جميع أبنائها. سمعنا أن مشروع العفو الشامل جاهز وينتظر الوقت المناسب للإعلان عنه، ما موقفكم من ذلك؟ ننتظر مضمونه ثم بعد ذلك نحكم عليه. ماذا لو تسامح نفس المشروع بخصوص ناهبي أموال الأمة في أكبر ملفات الفساد كالخليفة وسوناطراك وغيرهما من الفضائح المالية؟ العفو الذي ننتظره عفو سياسي يخصّ المأساة الوطنية، ولا علاقة له بالاقتصاد والمال، فالأزمة سياسية، ومفتاح حلها يجب أن يكون بإرادة سياسية عازمة على المضي بعيدا. سيد أبوجرة، هناك العديد من الأحزاب والتيارات السياسية ذات اللون الإسلامي مثلكم، تنتظر إشارة وزارة الداخلية، ألا تتخوف حمس من مستقبلها السياسي وسط عودة التيار الإسلامي إلى الحياة السياسية، لاسيما وأن الكثير يعتبرون حركة الراحل محفوظ نحناح الفائز الأكبر سياسيا بعد حلّ حزب الفيس في التسعينيات؟ مستقبل حركة مجتمع السلم بأيدي أبنائها ومناضليها والمتعاطفين معها من أبناء الجزائر وبناتها، وليس بيد الأحزاب الإسلامية التي تنتظر الاعتماد، والحركة ترحب بكل مولود جديد، والبقاء للأنفع والأصلح “ومايبقى في الواد غير حجارو“. قيل سابقا إنكم تحضرون لمشروع تحالف إسلامي بديل عن التحالف الرئاسي، هل من تفاصيل؟ ** مكاننا الطبيعي هو التحالف مع التيار الإسلامي ولست بحاجة إلى أن أضع شعار : “يا أبناء التيار الإسلامي توحدوا”، لأنه من مصلحة الجزائر أن تنشأ تكتلات ضخمة تضم تيارات متقاربة البرامج لخدمة الشّعب، كما حصل في تركيا، وهذه التكتّلات السياسية سوف تنهي عهد الأحزاب المجهرية، وأعتقد أن القوة الضاربة رقم واحد في العالم الإسلامي كله هو التيار الإسلامي لأنّ شعوبنا مسلمة وتتطلّع إلى الإسلام. وهل من الممكن أن تتحالف حركة أبو جرة مع حزب جاب الله مستقبلا، لاسيما وأنتم في حالة مد وجزر مع الأفلان والأرندي؟ سوف تفرض مصلحة التحولات الكبرى تحالفات جدية من النقيض إلى النقيض، لاسيما إذا ذهبت إرادة رئيس الجمهورية إلى تجسيد معنى العمق والشمول في الإصلاحات التي تتغيّر بموجبها طبيعة النّظام، عندئذ تتغير قواعد اللعبة السياسية. تسرّب أن لجنة الصلح بقيادة الوزيرين بن بادة وإسماعيل ميمون، باشرت اتصالات جديدة مع مايسمى داخل الحركة بالمنشقين، هل هذا الصحيح وهل باب حمس لايزال مفتوحا أمام أنصار عبد المجيد مناصرة من جديد؟ جنة الصلح مازالت تشتغل، وأبواب الحركة مازالت مفتوحة، فالحركة أسسها جميع المخلصين ويبنيها جميع المخلصين وهي لجميع أبنائها وبناتها وكلّ أبناء الجزائر لأنّها حركة مجتمع. هل صحيح أنكم كنتم في اتصالات مع المجلس الانتقالي الليبي المعارض لنظام القذافي؟ هم الذين اتصلوا بنا، كما اتصل بنا بعض العلماء والشخصيات من طرابلس يلتمسون مسعى جزائري من نوع ما، وقد حاولنا حبّا لأشقائنا في ليبيا، لكن الأحداث تسارعت واتسع الخرق على الراتق، ولم يكن أحد يتمنى أن يؤول الأمر إلى هذا الوضع المأساوي. هل يعتبر هذا الاتصال، إن حصل، ازدواجية في المواقف الدبلوماسية للحركة التي تتبنى سياسة خارجية مستقاة من الموقف الرسمي للدولة ؟ لا أبدا، هو مسعى برلماني يتحرك في نفس الإطار الرسمي، ولكن بمبادرة شعبية برلمانية تصب في نفس الجهود. نعود لقافلة بن غازي التي تبناها القيادي لطيفي أحمد، هل صحيح أن هذه القافلة أثارت انشقاقات داخلية في الحركة؟ كان ذلك مجرد خلل في التنسيق بين رئيس الكتلة ونائب رئيس المجلس، وقد تم توضيح الأمر في حينه. هل إزاحة النائب أحمد لطيفي من نيابة رئاسة البرلمان له علاقة بالقافلة ؟ إنّ طريقة الحركة في إدارة شؤون هياكل المجلس الشعبي الوطني، تعطي لكل نائب الحق في التولية مرة واحدة، وهذه قاعدة عامة سارية المفعول على الجميع ولا علاقة لها بالقافلة. هل لديكم معلومات حول تاريخ التعديل الحكومي؟ التعديل الحكومي من صلاحيات رئيس الجمهورية، ونحن طالبنا بحكومة تكنوقراطية تشرف على الاستحقاقات القادمة المقررة سنة 2012 ونأمل أن يتحقق ذلك بعد صدور نتائج المشاورات وظهور ترسانة القوانين الناظمة للحياة السياسية. يقال إن التحالف الرئاسي سيعرف هزة في هذا التغيير، ألا ينذر ذلك بصعوبة تواجه الأطراف الثلاثة في الاستحقاقات المقبلة ؟ سنة 2012 سنة تنافس وليست سنة تحالف، وأطراف التحالف متفهمون لهذه المعاني، والذمّة السياسية بريئة لكلّ طرف. هل لازلتم تطالبون بوزارات ترون أنكم أهل لها، كوزارتي التربية والشؤون الدينية التي يديرها التجمع الوطني الديمقراطي؟ وزراؤنا أهل لاستلام الوزارة الأولى وليس فقط الوزارات الخدمية، ونحن ندعو إلى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، لأننا مقبلون على تحولات مهمة في مسار الدولة الوطنية.