كان في قديم الزمان رجلان صديقان، وكان أحدهما مؤمنًا، والآخر كافرًا، وكان المؤمن يقترب من الكافر، ويدعوه إلى توحيد الله، لكن الكافر كان يصر على كفره وعناده. فترك الرجل المؤمن صديقه الكافر، وتركه بعد أن يئس من عدم إيمانه، فكان المؤمن يتقرب إلى الله، وينفق على الفقراء والمساكين، وانشغل الكافر بماله وتجارته حتى أصبح غنيًا. وفي يوم من الأيام قرر المؤمن أن يذهب إلى الكافر، فلما ذهب إليه ليزوره، قابله بقسوة وشدة وتَكبَّر عليه، وعاب عليه في اعتقاده بأن “لا إله إلا الله”، فحاول المؤمن أن يرشد الكافر إلى الإيمان، لكن الكافر أراد أن يظهر للمؤمن ما هو فيه من النعيم. ثم أخذ المشرك بيد صاحبه المؤمن، وأدخله بستانه الذي كان ينتصفه نهر ماؤه عذب، فرأى المؤمن بستانًا جميلاً، فيه من أنواع الثمار ما تطيب به النفس، وفيه الخدم يعملون، فقال المشرك لصاحبه المؤمن: “أنا أكثر منك مالاً وولدًا وخدمًا”، ثم جعل يطوف بالبستان وينظر إليها ويقول له: “ما أظن أن تهلك هذه الحديقة أبدًا”، وما أظن الساعة ستقوم، بل إذا رجعت إلى ربي -كما تزعم- فإني سأجد خيرًا منها؛ لأنه أعطاني في الدنيا لكرامتي عنده، فسيعطيني في الآخرة أيضًا! فوقف الرجل الصالح يفكر ماذا يفعل مع هذا الرجل، فقال له: “يا أخي، لا تغتر بما آتاك الله من المال والولد والخدم، ولا تكفر به، فإنه (سبحانه) الذي خلقك من تراب ثم من نطفة، ثم أصبحت رجلاً فرزقك، وما أنت فيه من نعيم الله، وبدلاً من الغرور بحديقتك، فإذا دخلت عليها فقل: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، وإن كنت تراني فقيرًا، فالله قادر على أن يرزقني خيرًا من حديقتك، وأن يرسل على حديقتك عذابًا من السماء، أو مطرًا غزيرًا، لا يبقى معه أي شيء”. وفي يوم من الأيام خرج هذا المشرك إلى حديقته، فإذا به يرى عجبًا؛ فقد حدث ما أخبر به الرجل الصالح، إن حديقته غير موجودة، لا ثمر فيها، ولا شجر، إنها أرض ملساء، لا زرع فيها ولا ماء، فجعل يضرب كفًّا بكف ويتحسر على ما حدث له، وعلى ما أنفقه على حديقته، وإذا به يجلس واضعًا يده على رأسه، ويقول: “يا ليتني لم أشرك بالله شيئًا، لقد ضاع كل مالي، لم تنفعني الأموال، ولا الأولاد، ولا الخدم”، وجعل يتحسر ويندم، ولكن لم ينفعه الندم. وكانت الحسرة والندم لذلك الرجل الذي ظلم وطغى، وتكبر وبخل بماله، وكان درسًا لكل من يتعظ: أن المال كله لله، وأن الله هو الذي يعطي ويمنع، ويرزق ويأخذ، ويهب ويهلك؛ فلا يتحقق شيء إلا بمشيئته، وكان درسًا لكل الناس أن يتعظوا، وأن يتذكروا صورة الرجل الغني، وهو يتحسر ندمًا على إهلاكه ماله، وتمنى ألا يشرك بالله شيئًا، وأن ينفق من ماله في سبيل الله.