لا يخلو المشهد الصباحي في شوارعنا من أمهات تمسكن بأيدي أبنائهن مصطحبات إياهم إلى باب المدرسة، الأمر الذي يتكرر عدة مرات في اليوم، والذي يبرره الأولياء بخوفهم على أبنائهم من حوادث المرور، بالإضافة إلى حوادث الاختطاف والاعتداءات التي أصبحت تطال الأبرياء في كل مكان، ما جعلهم “يضيّقون” على أبنائهم ويحولون دون اعتمادهم على أنفسهم، حسبما يؤكده الأخصائيون النفسانيون. تعودت العائلات الجزائرية، في الآونة الأخيرة، على مرافقة أطفالها إلى المدرسة متأثرة بالعديد من العوامل، لاسيما جرائم الاختطاف وحوادث المرور التي تحدق بالأطفال خلال طريقهم إلى المدرسة، ما جعلها ترفض خروج أبنائها لوحدهم مهما كانت الظروف.. فهاجس الخوف عشش في عقول البعض ولم يعد يفارقهم لدرجة أصبح فيها الأبناء مسلوبي الإرادة في حال غياب أهاليهم، هو ما لمسناه من خلال تحدثنا إلى بعض أولياء التلاميذ، على غرار وهيبة، عاملة بمؤسسة عمومية بالعاصمة وأم لطفل في القسم التحضيري، التي أوضحت أنها لم تلمس معاناة الأم الحقيقية إلا عندما دخل ابنها إلى المدرسة هذه السنة، فهي مسؤولية كبيرة زادت من قائمة انشغالاتها، حيث لا يغيب طفلها عن تفكيرها طيلة الوقت خاصة مع وجود عصابات مختصة في خطف الأطفال، هذا الأمر الذي جعلها تكلف أختها القيام بمهمة مرافقة طفلها إلى المدرسة لأنها الوحيدة التي تثق فيها، وكونها لا تستطيع القيام بالمهمة نظرها لعملها، مشيرة إلى أن مخاوف اختطافه لا تفارق خيالها.. إذ تبقى على اتصال مستمر مع أختها. وفي ذات السياق كشفت حورية أن الأخبار التي تناقلتها الصحف حول حالات الاختطاف دفعت الكثير من الأسر إلى مرافقة أبنائهم، مشيرة إلى زوجة أخيها التي تترك كل ما في يديها من أجل القيام بذلك أربع مرات في اليوم، وتمنعه من الخروج من المنزل إلا إذا كان بصحبة والده، وإذا سمحت له بالخروج فإنها لا تفارق الشرفة من أجل حراسته ومراقبة تحركاته. هذا الحرص والخوف أكدته صورة الأولياء أمام أبواب المدارس، دقائق قبل خروج التلاميذ البعض، منهم مترجل وآخرون في السيارات. وبمجرد فتح الباب يهرع الأطفال إلى الخارج باحثين عن أوليائهم الذي تعودوا على وجودهم. وحول ذات الموضوع أكد أب لطفلين يدرسان في ذات الابتدائية أنه يحرص على اصطحابهما يوميا رغم ارتباطاته المهنية خوفا عليهما من أي مكروه قد يتعرضان له، مضيفا أنه يحرص دائما على إعطاء النصائح لهما بعدم التكلم مع أي كان أو قبول طلب إيصالهم إلى المنزل، حتى وإن كان هذا الشخص من الجيران أوالأهل، لأن الثقة انعدمت - على حد قوله - مع تغليب مبدأ المال. وفي المقابل فالأطفال تعودوا على إيجاد من يوصلهم إلى البيت وقت خروجهم لدرجة أنه لم يعد بإمكانهم التوجه إلى المدرسة بمفردهم، وهو الأمر الذي أكد الأخصائيون النفسانيون سلبيته بنسبة كبيرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمسافات القريبة أوالأطفال الذين يدرسون في مدراس في الأحياء المجاورة، فهم بذلك يحرمونهم من اكتشاف عالم جديد وهو الشارع، كما ينمون فيهم الحس الاتكالي ويجعلونهم يتقوقعون على أنفسهم دون أن يحاولوا مسايرة المجتمع. كما وضحوا أن حمايتهم من مخاطر الطريق تكون بتوعيتهم وليس بمحاصرتهم طوال الوقت..!