أجمع المتتبعون لديناميكية الشعر في العالم العربي على تراجع الشعر الموزون وسط زخم الدواوين النثرية التي تطبع الإصدارات الأدبية على الصعيد العربي، وذهب البعض إلى اعتبار الشعر النثري لم يجد ضالته بعد على خريطة الشعر العربي بصفة خاصة والعالمي أيضا، في حين توجّهت عينة أخرى إلى تعزيز مكانته بوصفه نوع من أنواع التعبير الأدبي بغض النظر إن كان شعر قافية أو شعرا حرا. جمع اللقاء الشعري الذي نشطه عمر أزراج كل من الشاعر اللبناني عبدو وازن والشاعر الجزائري زوبير دردوخ الذي استنجد به المنظمون لغياب حسان الوزاني من المغرب ونديم قطيش المبرمجين للأمسية، حيث استمتع الحضور المتواضع الذي لم يفوّت الموعد الأدبي بباقة متنوعة من الشعر، افتتحها عبدو وازن الذي سافر بالحضور بين أزقة الشعر الحر مستهلا مداخلته بقصيدته ”نافذة على جدار” أهداها لسجناء الرأي في العالم العربي، لا سيما من يقبعون في السجون السورية، مستعرضا معاناتهم وراء القضبان وتوقهم إلى الحرية المسلوبة، تلتها قصيدة ”المخطوفون” وجه عبرها الشاعر صرخة وجع عميق لضحايا المفقودين في حرب لبنان الأخيرة ولهفة الأهل الذين يتكبّدون لوعة الفراق وحنين الاشتياق إلى الابن والزوج والأخ. كما رثى الشاعر الأوضاع التي يعيشها العالم العربي في الآونة الأخيرة وتبعاتها من تجاوزات في حق الإنسانية، وتطرق إلى الوعود الزائفة والأحلام الوردية التي تبنى في خيال الشباب من خلال قصيدة ”جنة”، ليعود من جديد لمخاطبة الوجع والألم بمقاطع من قصائد ”جنازة ”، ”الأحمر” و”حيرة” عالجت في مجملها قضايا الغربة، الحرب والسياسة. ولم يبتعد الشاعر الجزائري عن السياسة محللا الصراعات العربية من خلال قصيدته ”قالت زوجتي” التي انتقدت المواقف الفردية للزعماء العرب التي تطبعها البيروقراطية وانتقدت الاختلاف الذي يميز المواقف العربية من عديد القضايا الجوهرية على غرار ما عبّرت عنه قصيدة ”برقيات من ميدان التحرير” التي انتقدت قرارات مصر قبل الثورة وبعدها، خاصة موقفها من القضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل وختم دردوخ حواره الشعري بقصيدة ”نهر الطفولة والقصيد” سرد عبرها سيرته الذاتية أرجعته إلى عالم البراءة الغضة وأحلام الصبا. ليفتح بعدها الحوار أمام الحضور الذي تساءل عن التوجه الأخير لشعراء هذا الزمن الذين ابتعدوا عن نظم شعر القافية واهتموا بالشعر النثري رغم الأفكار التي يعبر عنها هذا الأخير، واحتدم النقاش بين جمهور القاعة بين مدافع عنه كنوع شعري قار له مبدعوه وجمهوره الخاص، وهو ما ذهب إليه الشاعر اللبناني حيث قال إن ظهور القصيدة النثرية في الخمسينيات زاد من اتساع مجال الإبداع الأدبي على العموم والشعري بصفة خاصة، كما أن الشعر النثري باستطاعته منافسة الشعر الموزون لأنه يؤدي دوره على أكمل وجه. واستطرد قائلا إن الشعر يقاس بما يقدمه مهما كان نوعه. وعلى عكس ذلك، قال الشاعر الجزائري إن الكثير من الشعر المنثور سيسقط مستقبلا ولن يبقى سوى الشعر الحقيقي وأنه استحالة أن تنافس القصائد النثرية الشعر الموزون والمقفى، ناهيك عن دور الإيقاع الداخلي للغة الذي يعطي لمسة خاصة للشعر ويمنح لمتذوقي هذا اللون الأدبي متعة القراءة والاستماع.