مع كل خريف وعودة الغيث، تغرق البلاد والعباد في "شبر مية" على حد التعبير المصري. ثمانية ضحايا في البيض بالأمس، ومنذ سنوات قتلت مياه الفيضانات العشرات في مدينة غرداية، الكارثة التي مازالت ماثلة في الأذهان حتى اليوم.. وأكبر الكوارث تلك التي عرفتها البلاد منذ 10 سنوات عندما جرف الطوفان أكثر من ألفي جزائري في فيضانات باب الوادي بالعاصمة. مياه الأمطار صارت تنافس حوادث المرور في الجزائر، ولا ندري ماذا تخبئه لنا الأيام القادمة، عندما تشتي ويأتي موسم الغيث؟ ربما نحن البلد الوحيد الذي لا نتعظ من أخطاء الماضي، وكأن الأمطار تفاجئنا في كل مرة، وكأننا لم نكن نتظر قدومها. فلا البلديات، ولا المسؤولين المحليين يضعون في حساباتهم مثل هذه الحوادث التي تعود دوريا مع كل خريف، لأن في كثير من الأحيان تكون أسباب الفيضانات الغبار والأوساخ المتراكمة في قنوات الصرف، فتغرق المدن والأحياء، لأن البلديات لا تقوم بتنظيف المجاري مع نهاية الصيف لتتفادى مثل هذه الفيضانات. وللولايات أيضا قسطها من المسؤولية لأنها لم تعمل على إزالة البيوت الآيلة للسقوط، وتنتظر حتى تسقط الأرواح لتسارع إلى ترحيل سكان المناطق المنكوبة، هذا إذا ما صح واستفاد المنكوبون من سكنات صحية غير الخيام ومراكز العبور. فإلى متى نبقى حبيسي السياسات الترقيعية، والبلاد محسوبة على دول النفط الغنية، ومع ذلك لا نفوت فرصة إلا ونسجل ضحايا بالفيضانات وبالزلازل وبشتى أنواع الأوبئة .. حتى أمراض القرون الوسطى عادت لتقتل الجزائريين، والمستشفيات تقتل من شدة الإهمال. فحياة الجزائري هي آخر ما يهتم به وما يؤخذ في الحسبان من قبل الجماعات المحلية، التي من المفروض أنها نابعة من وسط الشعب وتعرف حاجياته بدقة، وتسهر على حل مشاكله، وتضغط على من هم أعلى في المسؤولية ليهتموا بالمواطن وبراحته وسلامته. كيف للمجالس الشعبية التي كانت في عهد الثورة تنافس الإدارة الاستعمارية على خدمة الجزائريين، وأحدثت عليها انقلابا حقيقيا، فتكفلت بشؤون المواطنين في الصحة والعدالة والدراسة وبشؤونها الاقتصادية، رغم قلة الإمكانيات وبطش الجيش الفرنسي، تتراجع اليوم وتهمل شؤون المواطنين رغم الإمكانيات الواسعة والصلاحيات اللامحدودة التي تتمتع بها، وصار الناخبون لا يتسابقون إلا على خدمة مصالحهم الشخصية وكبرت الهوة، ومازالت تزداد اتساعا...