صعوبة المنهج الدراسي وتقصير بعض المعلمين وراء انتشارها تحولت مختلف الشوارع وجدران العمارات، بعد مرور شهرين عن الدخول المدرسي، إلى مساحات مجانية لعرض إعلانات للدروس الخصوصية التي يقدمها مدرسون ومراكز تعليمية خاصة في جميع الأطوار، وهو الأمر الذي ولد عادة جديدة لدى التلاميذ.. وهي التسجيل مرتين في كل عام، فبعدما يتم التسجيل في مختلف المؤسسات التربوية الرسمية، يستعد التلاميذ للتسجيل في مدارس موازية. ولم تعد هذه الظاهرة مرتبطة بالأقسام النهائية في الطور المتوسط والثانوي كما كانت عليه سابقا، بل أصبحت أمرا ملزما في كل السنوات الدراسية للتلميذ. والغريب في الأمر هو أن العدوى، خلال هذا العام، انتقلت لتلمس حتى الطور الابتدائي، بل قد احتوت جميع أقسام الطور الأساسي بدءا بالسنة الأولى ابتدائي، وهو أمر يثير الدهشة ويطرح تساؤلات عديدة عن سر هذه اللهفة البارزة من المعلمين.. وهو الاستفسار الذي طرحته “الفجر” على مجموعة من المعلمين في جولة قادتنا إلى مجموعة من المراكز التعليمية الخاصة، أين أكد لنا أحدهم قائلا: “نحن معلمو الطور الابتدائي نقارن دائما أنفسنا وحالتنا بأساتذة التعليم المتوسط والثانوي بحكم المهنة المشتركة، وبالتالي منطقيا إنشاء مثل هذه المراكز، والهدف الأساسي هو الظفر بأموال تساعدنا في تلبية احتياجاتنا أمام غلاء المعيشة”. كما يرى البعض الآخر أن الفكرة وليدة رغبة بعض الأولياء بعد إصرارهم وإلحاحهم على مدرّسي القسم الابتدائي إعطاء دروس تدعيمية لأبنائهم لرفع مستواهم.. ومحاولة ترسيخ هذه الثقافة في أذهانهم منذ الصغر لخوض غمار المشوار الدراسي بنجاح. ويرى بعض الرافضين من المعلمين لهذه الفكرة أن إدعاء الاستنجاد بالدروس التدعيمية بسبب ما يراه بعض الأولياء من عجز أولادهم في استيعاب الدروس لعجز الأساتذة عن توصيل المعلومات، هو أمر لا يزيد في الحقيقة إلا تشويش على التلميذ، ما يؤثر سلبا على سلوكه ويزيد من عدم انتباهه. كما يرجع هذا الرفض أيضا إلى كون هذه العملية من طرق الغش وحصول البعض على نماذج أسئلة من الإمتحانات، وهو الأمر الذي يولّد لدى التلميذ عادة الإسراع إليها دون بذل أي جهد، حيث يصبح غير معتمد على نفسه و قدراته. مستودعات وغرف شاغرة تتحول إلى مدارس تعليمية أمام الإقبال الكبير على مختلف المراكز التعليمية أضحت العملية تجارة مربحة للمعلمين المؤيدين لها، والدليل على ذلك أنها أصبحت تشمل جميع المواد المدروسة بعدما كانت تقتصر على المواد الأساسية فقط، والمتمثلة في الرياضيات واللغة العربية والفرنسية، حيث تحولت الكثير من المستودعات والغرف الشاغرة إلى مراكز لدروس الدعم. وعن الأسعار المقترحة في هذه المراكز فتختلف من منطقة إلى منطقة، فهي تتراوح بين 700 دج للمادة إلى 1100 دج بمدينة بوڤاعة مثلا، و بين 800 دج و1300 دج للمادة لساعة من الزمن خلال شهر بمدينة سطيف والمناطق المجاورة، والسعر يكون حسب التدرج في الأقسام. بطالون أصحاب الشهادات يتخذون تلقين الدروس مهنة مؤقتة بسبب رفض بعض المراكز استقبال وتسجيل التلاميذ المتأخرين في الالتحاق بهذه الأخيرة، بسبب الإكتظاظ وزحمة الإقبال، اتخذ البطالون ذوو شهادات جامعية هذه الفكرة ملجأ للظفر بمهنة مؤقتة يسدون بها الرمق، حيث أصبح الكثير منهم يعرض خدماته في تلقين الدروس الخصوصية من خلال إعلانات على الجرائد ومواقع الأنترنت، أو عن طريق قصصات توزع بالموسسات التربوية. والأمر المدهش أن الواحد من هؤلاء المتحصل مثلا على شهادة ليسانس في الأدب العربي، لا يقتصر على تدريس اللغة العربية فحسب، بل جميع المواد الأخرى المقررة من قبل الوزارة، الأمر الذي يستوجب تدخل الجهات المعنية والمختصين في هذا المجال لضبط العملية وإعطاء شروحات واضحة وكافية عن هذه الظاهرة، لاسيما أنها تتعلق ب”البراءة” الذين يوصفون بالصفحة البيضاء..