لم أسعد لقراءة الخبر المتعلق ببلوغ احتياطي الصرف الجزائري 200 مليار دولار، بل أرى أن نشر خبر كهذا يعد جريمة في حق البلاد، في الوقت الذي تعاني فيه أوروبا وأمريكا من أزمة مالية خانقة، أزمة عصفت بحكومات وبمصانع أوروبية، وبمئات الآلاف من مناصب الشغل، خاصة وأن هذه الأموال "تنام" في بنوك أجنبية، بنوك البلدان التي تعصرها هذه الأزمات. وعوض أن تكون هذه "البحبوحة" المالية التي نرفع عليها كل مرة الغطاء لنعدّها من جديد مثلما تعدّ العجائز "تحويشة" العمر وخوفا من أن يصيبها النقصان، عوض أن تكون مصدر رحمة لنا، تمول مشاريع البلاد وتخلق فرص التوظيف عن طريق برامج تشغيل الشباب، وتمول مشاريع السكن ومشاريع البناء الأخرى، إضافة إلى تمويل الزيادات في أجور المنتفضين والغاضبين من أساتذة وأطباء ومتقاعدين وغيرهم، ستتحول إلى مصدر نقمة لنا من طرف مخرجي "مسرحية" الربيع العربي، فيعمدون إلى إخراج مسرحية أو عرائس "ڤراڤوز" جزائرية، ويتخذون قرار تجميد ودائع البلاد في البنوك الأجنبية إلى حين تأتي حكومة منتخبة ديمقراطية بالمواصفات التي يريدها هؤلاء، وتكون النتيجة نهب أموال الجزائريين وتخرج من "المولد بلا حمص" على حد التعبير المصري، لأنه إذا ما صدقنا السيناتور الأمريكي الذي زار الجزائر الأسبوع الماضي وكشف أن هناك وثيقة على مكتب الخارجية الأمريكية لتحضير مجلس انتقالي في الجزائر، فإنه من حقنا أن نخاف على "تحويشة" الشعب، خاصة وأن خبراءنا الاقتصاديين بشرونا بأنه مهما كانت حصيلة احتياطي الصرف، فنحن لسنا في مأمن من أزمة أخرى في السنوات المقبلة، أين سيعرف استهلاك النفط العالمي تراجعا بسبب الأزمات الغربية، ويتراجع معه سعر البرميل، وتصبح مداخيل النفط لا تغطي النفقات التي عرفت ارتفاعا في السنوات الأخرى بارتفاع الأجور.. أعرف أن أمريكا والغرب عموما ليسوا في حاجة إلى قراءة صحفنا ليعرفوا حقيقة ما يوجد في خزائننا، لكنهم قد يعمدون إلى تجنيد فريق من مجانين السياسة والطامعين في السلطة، وما أكثرهم هذه الأيام، ويرمون بهم إلى الشارع في مسرحية شبيهة بمسرحيات سوريا ومصر، وتلهف بعدها الدولارات، التي هي في الحقيقة لا تكفي لتغطية نفقات البرامج المسطرة أمام تنامي ظاهرة الفساد المستشري والذي زاد حجمه بزيادة مداخيل النفط في السنوات الأخيرة.