"لا تحزن يا مفدي، فبك تفدى الجزائر" إنه عنوان القصيدة والرسالة التي بعث بها شاعر المغرب الكبير إدريس الجائي إلى شاعرنا الثائر مفدي زكريا يوم دُسََّ في ظلمات سجن سركاجي. كان ذلك سنة 1956 وكانت قصيدة "الشهيد أحمد زهّانة، المدعو زبانة قد خرجت من بين جدران السجن المرعب لتصل صحف وآذان العالم العربي كله. كان أحمد زبانة شهيد المقصلة الأول في الثورة التحريرية رفيق السجن لمفدي زكريا، فعندما أخرجوه في غبش الفجر ليعدموه، فاضت مشاعر مفدي زكريا بالحزن الممزوج بالغضب والثورة فكتب قصيدته التأبينية لزبانة والتي تعد أجمل قصيدة قالها لما فيها من رقة وموسيقى وأحاسيس إنسانية عالية. كمفدي زكريا، كان إدريس الجائي شاعرا مناضلا دافع عن حق بلاده المغرب في التمتع بالحرية والاستقلال. كان الشاعر الكبير من أوائل المناضلين الذين شكّلوا وأسّسوا رفقة علال الفاسي "حزب الإستقلال" الذي ارتكزت مطالبه على ضرورة جلاء القوات الفرنسية والإسبانية عن أرض المغرب الشقيق. وقد جمعت روح الثورة والنضال بين شاعرنا مفدي زكريا وشاعر المغرب إدريس الجائي. كانا من جيل واحد وبقيا صديقين حتى وفاتهما في نهاية سبعينيات القرن العشرين.
"رقد الحالم الإلهي تحت الفجر جسما ميّتا وروحا أصمًّا وهوى ذلك الإله السماوي على الأرض خامد الأنفاس سوف تفنى يداك فرنسا ويبقى ظل ذاك الطير الجميل الوديع سوف يبقى "زبانه" يخفق فوق الأرض بالحب والجمال الرفيع أيها المجرم الفرنسي أمّا أنت فاحقد وعش على الأضغان إن "زبانه" فوق حقدك فوق الأرض، فوق الفناء والنسيان".
كانت هذه أبيات مختارة من قصيدة إدريس الجائي عن الشهيد أحمد زبانة، وكان قد كتبها دعما وتبجيلا لشهداء الجزائر وحبا في قصائد مفدي زكريا، صديقه حتى الممات. في رسالته، قال لمفدي زكريا "لا تحزن، أناشيدك الخالدات العذاب نشيدي وأغنيتي الهاتفة".