حملت أحزاب المعارضة ضعف التمويل مسؤولية سيطرة المال على الحياة السياسية ولجوء الكثيرين إلى اختيار أصحاب “الشكارة” في قوائمها الانتخابية على حساب أصحاب الكفاءة، خاصة من لا تتوفر على كثافة عالية من المناضلين. حذرت أحزاب سياسية من تحول البرلمان المقبل إلى بيت لرجال الأعمال ومنتدى لأصحاب “الشكارة” بسبب ما أسمته ضعف المساعدات التي تقدمها الدولة للمؤسسات الحزبية، وفق ما تضمنه قانون الأحزاب الجديد، التي لا تغطي حجم النفقات، ما أجبر الكثير منها على الاستعانة بأصحاب الأموال للمساهمة في تغطية النفقات، سيما في الحملات الانتخابية، ما يتوجب على الدولة - حسبها - “معالجة الثغرات القانونية الموجودة حاليا والعمل على تعويض الأحزاب بعد نهاية الحملات الانتخابية الخاصة بالتشريعيات، كما هو الحال مع الرئاسيات”. والملاحظ أن الأحزاب السياسية، سواء تعلق الأمر بالمحسوبة على المعارضة أو السلطة، تتفق على عدم كفاية التمويل، لكنها تختلف في نسبة كل حزب من التمويل، وأحقية الأحزاب الكبرى باهتمام أكبر من الدولة عكس الأحزاب المجهرية غير المعروفة حتى في محيطها الضيق، مؤكدة أن المال ليس عيبا ودخوله إلى الحياة السياسية لا يعني الفشل، لأن الكفاءة اليوم لا يحكمها المستوى العلمي. حمس: “مشكل التمويل مكن من سيطرة المال السياسي” وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس حركة مجتمع السلم، أبو جرة سلطاني، في اتصال مع “الفجر” أن الفراغ القانوني الموجود حاليا حول التكفل بنفقات الأحزاب السياسية، سيما في الحملات الانتخابية وعدم منحها حق الحصول على تعويض بعد النتائج، فتح الباب على مصراعيه أمام المال السياسي، الذي هيمن على الحياة السياسية، محذرا في السياق ذاته أن الأمور إن سارت كما هو الحال في تشريعيات 2007 والتجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة، سيتحول البرلمان بقدرة قادر إلى “برلمان رجال الأعمال”. وقال سلطاني إن مشكل التمويل مطروح بحدة عند الأحزاب السياسية التي لا تتوفر على كثافة عالية من المناضلين، لأن الأحزاب الكبيرة ذات الكثافة العالية تعتمد في الغالب على التمويل الذاتي سواء من خلال اشتراكات المناضلين أو مساهمات المترشحين في قوائمها الانتخابية، ما يتوجب على خزينة الدولة - حسب محدثنا - تعويض الأحزاب جزءا من نفقات حملاتها الانتخابية وفق النتائج المحصل عليها مثلا، داعيا إلى إرساء تقليد التعويض المعمول به في الرئاسيات على باقي الاستحقاقات. وشدد الرجل الأول في حمس على ألا تقتصر رقابة الدولة لضمان نزاهة الانتخابات وشفافيتها على الاقتراع فقط، لأن الاستحقاقات كل متكامل وعلى الدولة مراقبة كل أطوارها؛ خطاب المترشحين، النفقات، مصادر تمويل الأحزاب، لأنه “لا يعقل أن ينفق حزب على دائرته الانتخابية مليون سنتيم وآخر مليار سنتيم”. الإصلاح: “ضعف التمويل فتح باب الابتزاز السياسي والعمالة الأجنبية” من جهته، أكد الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني، حملاوي عكوشي، ل “الفجر” أن ضعف التمويل فتح الباب على مصراعيه للابتزاز والعمالة الاحنبية وأن الأحزاب السياسية مؤسسات دولة وعليها أن ترعاها ماديا للحيلولة دون أي تجاوزات، متهما الدولة بالتقصير في هذا المجال إلى درجة التعمد” هي تقصد تقزيم أحزاب المعارضة وتفخيم أخرى أحزاب السلطة” لخدمة مصالحها، لأن “الفساد لا ينمو ولا يترعرع إلا إذا اجتمع المال مع السلطة”. وفي رده على تحجج بعض الأحزاب في اعتمادها على أصحاب “الشكارة” في قوائمها الانتخابية وإقصائها لأصحاب الكفاءات، أن هذه الأحزاب مضطرة وإلا كيف ستغطي نفقاتها، مستنكرا في ذات السياق “ازدواجية خطاب أحزاب السلطة، التي تنادي بالأخلاق الفاضلة، في وقت لا تتوانى في ممارسة كل الأساليب للوصول إلى دواليب السلطة، بما فيها التزوير”. الآفلان: “المال ليس عيبا، والدكتوراه ليست معيارا للكفاءة” حزب جبهة التحرير الوطني، وعلى لسان المكلف بالإعلام لا يتفق مع أحزاب المعارضة، لدرجة يدافع فيها عن وجود أصحاب الأموال في الحياة السياسية، مادامت الكفاءة لا تحكمها الشهادات الجامعية “لا يمكن أن نحكم على المترشح بأنه صالح أو طالح لأننا لا نناقش مسألة أخلاقية، والمال لا يمكن أن يكون في كل الأحوال غير شرعي”، مضيفا “إن الكفاءة ليست الشهادة أو الدبلوم ويمكن أن نجد دكتور جامعي غير قادر على تقديم شيء في البرلمان”، فضلا عن أن اختيار التمثيل في البرلمان أصبح يخضع إلى معايير أخرى، والأهم أن الصندوق هو الفيصل، والشعب قادر على الفرز السليم واختيار ممثليه. وشدد قاسة عيسي، في حديثه ل”الفجر”، أن ما تنادي به أحزاب المعارضة حول مشكل التمويل، مغالطات لا غير، خاصة وأن الدولة رفعت مستوى حجم المساعدات في قانون الانتخابات الجديد، مؤكدا أن الدولة تقدم مساعداتها للأحزاب استنادا إلى ما تتوفر عليه من مقاعد بالبرلمان وهذا شيء منطقي “هناك عشرات الأحزاب السياسية في الجزائر وعدد المعروفة منها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، حتى من يتواجدون بالبرلمان، و أتحدى إن كان الشعب يعرف أن ممثليه بالغرفة السفلى يصلون إلى 21 حزبا سياسيا”، مضيفا بأنه “يجب اعتماد معايير للمساعدة، كما هو معمول به في كل دول العالم”. العمال: “لابد من مراسيم رئاسية لحماية البرلمان من رجال المال” جلول جودي، الناطق الرسمي لحزب العمال، بدوره حذر في اتصال مع “الفجر” من اكتساح رجال المال والأعمال للساحة السياسية عامة والبرلمان خاصة، وأن القانون لم يكرس المراقبة القبلية والبعدية للمترشحين، رغم المطالب التي قدمت في هذا الشأن. ودعا جودي رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، للتدخل لحماية مبنى زيغوت يوسف من سطوة المال بمراسيم رئاسية، مادامت الإدارة رفضت التعديلات المقترحة على مشروع قانون الانتخابات، مؤكدا أنها من الآليات الضرورية لتكريس انتخابات شفافة ونظيفة وبناء مؤسسات سياسية لا غبار عليها تستجيب لإرادة الشعب. وفي حديثه عن التمويل، قال ذات المتحدث إن حزب العمال يرحب باعتماد الأحزاب على تمويل نفسها بنفسها حتى لا تقع تحت هيمنة الإدارة وتحافظ على استقلالها المالي الذي يعتبر أساس الاستقلال السياسي “على الأحزاب أن تعتمد على نفسها في التمويل عن طريق المشتركين”، مضيفا أن حزب العمال أطلق حملة مالية على مستوى القاعدة لتجميع النفقات. وأضاف جودي أن الأحزاب التي تلجأ إلى أصحاب “الشكارة” في قوائمها الانتخابية للحصول على تمويل، بأن المنتخبين لن يستفيدوا منهم شيئا، لأنهم سيسعون إلى خدمة مصالحهم الشخصية فقط. ويبقى الجدل قائما حول جدوى الاستعانة برجال الأعمال في السياسة في الوقت الذي أثبتت فيه تجارب الدول الأخرى، على غرار مصر، أن أضرارهم أكثر من منافعهم.