كانت رحلتي إلى السودان من أجل استلام جائزة الطيب صالح ممتعة جدا، ولعل أجمل ما فيها رفقتي مع الدكتور عبد الحميد بورايو، أستاذ الأدب الشعبي بالجامعة المركزية، هذا المميز الذي لم تجمعني به معرفة شخصية قبل رحلة السودان. ومن الأمور الطريفة أنني لم أكن أعرف شكله فكنت في قاعة الانتظار قبل ركوب الطائرة إلى جانب شخصين من الجزائر يشتغلان في التجارة من عين الفكرون، كانا ذاهبين إلى السودان من أجل بحث آفاق تجارية هناك، وقلت لهم إنني أبحث عن الدكتور بورايو، فقام أحدهما ونادى بأعلى صوته أستاذ بورايو، وإذا به يقترب منا ويلتحق بالشلة الجزائرية، فضحكنا كثيرا وعرفت فيما بعد أنه كان ضمن لجنة التحكيم، ومنذ تلك اللحظة لم أتركه لحظة واحدة، كان "شخصا" هادئا، يكنّ له السودانيون احتراما كبيرا. صباح اليوم الأول من زيارتنا للسودان توجه مباشرة إلى الجامعة وإلى معهد الدراسات الإفريقية هناك، من أجل الإطلاع على تجربة أرشفة التراث، أو كما يقولون في السودان الفلكلور. شخصيا ذهلت للوعي الكبير في عملية جمع التراث، بل وحتى في رقمنته بأساليب عصرية، لمحت حينها الحزن الكبير في عيون الدكتور، كيف هي تجربة الجزائر في هذا المجال، لاسيما أن الثقافة الشعبية في الجزائر كبيرة جدا وعميقة وممتدة في محتواها ومعانيها الثقافية، كما أنها مرتبطة بمسألة الوقت، مع كل ما يحدث في العالم من تبدل وحتى ما يحدث في أريافنا من تمدن، متى نقوم بذلك؟؟ متى ننتبه للذي يضيع من بين أيدينا؟؟ برامج الأرشفة في السودان تساهم فيها منح خارجية، مثل هولندا التي قدمت برنامج مساعدة لرقمنة الفلكلور السوداني. لماذا لا نملك في الجزائر بنك للثقافة الشعبية مثلا، وهل يعقل أن تضيع أموال بحجم المهرجان الإفريقي التي كانت قادرة على تمويل مشروع مماثل، لا أعرف بالفعل ما الذي ننتظره.. يؤسفني ألا نجد في الجزائر استراتيجية واضحة لهذا الأمر، كان من المكن أن يقوم بهذا مركز البحث الذي يديره سليمان حاجي، بدل دعوات بالآلاف للباحثين من آسيا وأوروبا وكل بقاع العالم للمشاركة في ملتقيات ينتهي وقعها بمجرد نهاية التظاهرة. كذلك يمكن للمكتبة الوطنية أرشفة ذلك، ولما لا الأرشيف الوطني، ولكن.. هناك عبد الحميد بورايو يحمل همّ أرشفة التراث الشعبي الجزائري. هاجر قويدري