في القاهرة التي اختار لها أهلها عنوانا من الليل تزدحم المقاهي بعد ”ثورة 25 يناير” بشكل ملفت للنظر وهي تصطف على قارعات الطريق يلفها دخان الشيشة والكلمات الساخرة التي تتحدث عن الرئيس المصري القادم ومرشحي الرئاسة. الوجه شوارع متعرجة تتوسط الميادين المختلفة التي صنعت ملحمة رحيل حسني مبارك، وسط البلد كما يحلو للمصريين تسميتها، بالكاد يخلو شارع من كراسي المقاهي التي تزاحم المارين والسيارات في الطريق والكل يتحدث بصوت عال عن الرئيس القادم، وبسؤال فتاة محجبة كانت تجلس مع رفاق لها ”ماذا يمثل لك انتخاب رئيس من التيار الإسلامي؟” سارع زميلها إلى مقاطعة إجابتها قائلا: ”القعدة دي مش حتشوفها تاني” ثم واصل الكلام قائلا: ”كيف انتخب رئيسا من الإخوان هم أنفسهم اختاروا مرشحا ثانيا” في إشارة منه إلى مرشح الإخوان محمد مرسى الذي اختارته الجماعة ليكون مرشحا احتياطيا لخيرت الشاطر. أترك تلك المجموعة بعد أن استطاعوا إقناعي بأنهم لا يريدون سوى مرشحا يحفظ لهم جلساتهم الحميمية في مقاهي وسط البلد، واتجهت في السير في الشارع التي كانت تعلوها لافتات للمرشحين الإسلاميين محمد مرسي وعبد المنعم أبو الفتوح والاشتراكي حمدين صباحي والليبراليين عمرو موسى وأحمد شفيق، وأنا أستمع إلى الناس يتضاحكون ويتحدثون عن مستقبل بلدهم، يشد أذني كلمات أحد العاملين في المقهى وهو يقوم بتوزيع المشاريب وهو يغني ” شفشفق شفشفق اوعى جيلك شافشفك” وكان يتحدث ساخرا من المرشح أحمد شفيق. يقول لي أحد الشباب كان جالسا مع زملائه في مقهي البورصة الأشهر في وسط البلد أن النكتة أصبحت الحل الأفضل لتحديد المرشح الأنسب واختيار الرئيس القادم بعدما تأكد لدى المصريين أن البرامج الانتخابية نظرية و لا تحمل إلا شعارات وشبه خالية من البرامج السياسية والاقتصادية وخارطة طريق أمنية واضحة. ويقول الشاب المصري الذي بدا في الثلاثينيات من العمر: ”الشعب المصري لم يتعود على الانتخابات الرئاسية وهو ما يفسر حالة الذهول في الشارع الذي اختار النكتة ليخفف على نفسه من حدة كوارث الحمالات الانتخابية” ويسرد لي قصة أحد المرشحين من الدعاية: ”نحن نلاحظ العجب، فلقد أصبحنا نقرأ لافتات مكتوب عليها ”دعوة لحضور المؤتمر الحاشد للمرشح الفولاني”، أليس من المفروض أن تقال كلمة حاشد بعد انتهاء المؤتمر وليس قبل انعقاده؟!” ويستدرك بالقول ”عادي، مادامت الدعاية الانتخابية في مصر أصبحت تشبه الدعوة المحمدية ونحن نلاحظ من يدعون الأقباط للدخول إلى الإسلام من أجل اختيار مرشح للرئاسة”.