كالعادة، كثر الحديث في الجزائر هذه الأيام عن سبب تأخر تشكيل الحكومة رغم مرور أكثر من شهرين وعشرة أيام عن الانتخابات التشريعية.. كل الناس يتساءلون ولا أحد منهم يعرف متى وكيف ومن؟ حتى الوزراء الموجودون في الحكومة الآن لا يعرفون مصيرهم رغم أن كثيرا منهم "شاطرين" في طبخة من أين تؤكل الكتف..؟ سمعنا قبل مدة بأن الحكومة ستشكل بعد الانتهاء من الاحتفال بعيد الاستقلال.. وها نحن قد احتفلنا،، اللهم إلا إذا كنا سننتظر انتهاء الاحتفال بالخمسينية كاملة، أي إلى تاريخ خمسة جويلية 2013.. نعم الكل ينتظر، أحزاب تنتظر وتشكك، وانتهازيون سياسيون يناورون، وحتى دبلوماسيون أجانب يتساءلون بل ويستغربون..؟ لكن الأخطر في كل ذلك هو قلق الشارع والتكهنات بثورته مع الدخول الاجتماعي القادم ليجد أجوبة على ما يحمله من انتظارات وآمال وتطلعات.. ومع ذلك فقد تناسى الجميع أن الجزائر تتحلى بصفات نادرة قلما عرف مصدرها، وقلما عرفت دائرة تحريكها، صفات تاريخية لازمتها حتى في أحلك المراحل والأزمات، فقد عودتنا الجزائر دائما بأنها تستعين على إنجاز أعمالها بالسرية التامة، حتى عند اتخاذ القرارات الحساسة وفي المواقف الحرجة، فالساسة في الجزائر قد تعودوا على قضاء حوائجهم بالكتمان المطبق إلا في حالة الاضطرار المطبق..؟ حتى الصحافة، على كثرتها، لم تستطع وبكل ما لها من علاقات وطيدة مع الوسائل الرسمية والمخابراتية، أن تأتي بأخبار تفرج كرب الحائرين وما بقي لها إلا التكهن المفتعل إلى درجة الشطط، ولذلك يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو من المسؤول عن هذا التعفن.. وإلى متى ستبقى هذه القطيعة بين الشعب والسلطة سارية المفعول.. هل السبب هو غياب ناطق رسمي للرئاسة يقوم بعملية التواصل بين السلطة الأساسية والمجتمع وخاصة مع قطاع المجتمع المدني الذي كثيرا ما يطلب منه أن يكون في المقدمة، أو السبب في تمركز قرارات الدولة وعملية التواصل فيها بيد قلة من المسؤولين عن حياة الناس وشؤونهم، أم أن فقدان الثقة في المجتمع هو الفاصل بين حركية المسؤولين ومسؤوليتهم وحركية المجتمع وتطلعه.. أم أن البحث والتحقيق في الاختيارات المستقبلية لم ينضج بعد..؟ الجواب بالتأكيد سيكون كل هذه الأشياء بالإضافة إلى شيء آخر مهم وهو أهمية ومصداقية الإصلاحات وما مدى قدرتها على الإصلاح الجدي والفعلي.. الإصلاح الذي كان من المفروض أن يحضر له بجدية تامة حتى قبل الانتخابات.. أما والحالة هذه، فالمسؤولية بالتأكيد ستكون على من فشل فيها، أو من استخف بعقول الناس. لا أدري إن كان مسؤولونا يدركون بأن حوائج الناس لا يمكنها أن تنتظر طويلا، خاصة وأنها قد طالت كثيرا، ولعشريات كثيرة، ونحن، وإن آمنا بأن الجزائر قد حققت في هذه العشرية خطوات جبارة في مجال التنمية القاعدية، وحتى في تلك الخطوات البطيئة في التحول الديمقراطي، إلا أننا نعتقد بأنها قد فشلت فشلا ذريعا في اختيار الكفاءات المسيرة، التي رغم كونها لم تكن مسؤولة عن اختيار برنامج عملها، إلا أنها مسؤولة وبدرجة خطيرة على تنفيذ ذلك البرنامج.. فالتسيير البيروقراطي المناسباتي لا يمكنه أن ينجح في تحقيق مطالب المجتمع فما بالك بالتحدث عن رفاهيته.. لن يستطيع أي إطار مهما وصلت عبقريته وقدرته أن ينجح في تنفيذ أي برنامج مهما كانت أهميته، إذا لم يكن كفؤا ويملك قدرة أخذ القرار المناسب في الحالات المناسبة والطارئة، كما لا يمكن لأي مسؤول أن يحل مشاكل الناس وهو لا يعرف من التسيير إلا بيروقراطيته وتسلطه ومقتضى مصالحه.. إن مشكلة المسيرين عندنا لا تكمن في قلة معرفتهم، ولكنها تكمن في جمودهم وعدم اعترافهم بالقوانين التي يعملون ضمن إطارها، لسبب وحيد وهو إدراكهم بأنهم بعيدون عن المراقبة والمحاكمة مثل كل زملائهم الذين لم يسبق وأن طبق عليهم القانون.. وفي حالة كهذه لا يهم من يختار ليقود مصالح الناس، ما دام الكل سواسية في عدم المحاسبة، وحتى وإن صادف ووجد النزيه والقدوة فإنه سيتأثر دون شك بمن حوله ممن هم مستفيدون ومفسدون.. ويبقى أمل النساء الأكبر متعلقا بمدى اقتناع السلطة بالمرأة وبمدى تطبيق مبدإ الكوطا في تشكيل الحكومة، فهل ستتجاوز رقم ثلاثة، وتصل إلى رقم الثلث.. ؟ وبالفعل سيكون ذلك، إن حدث، معجزة الجزائر ومعجزة الإصلاحات في الجزائر التي ستسيل كثيرا من الحبر وكثيرا من الشطط.. ربما.. لكنه سيبقى أملا، لأن المجتمعات العربية قد عودتنا بأنها لن تتجند ولن تجتهد إلا إذا كانت ضد المرأة، وضد ترقية المرأة، تلك المرأة المشكك في كيانها وفي إنسانيتها كونها أقل من الرجل لأنها جاءت من ضلعه، ولكنهم كلهم نسوا أن الرجل أيضا قد جاء من رحمها.. نعم من رحم المرأة.