ها هي تل أبيب، تتحول في هذا الصيف إلى القبلة المفضلة لمرشحي الرئاسيات الأمريكية القادمة، وها هي إسرائيل تحتل ككل مرة مكانة هامة في اهتمامات الساسة الأمريكيين. فبعد الهدية السخية التي قدمها أوباما الأسبوع الفارط، حيث منح الجيش الإسرائيلي 70 مليون دولار إضافية من المساعدات العسكرية ودعم هذا القرار الكونغرس بكل أعضائه جمهوريين وديمقراطيين. ها هو مرشح الحزب الجمهوري للرئاسيات ميث رومني، يتوجه أول أمس، إلى القدس ويقف عند حائط المبكى يودّع أمنياته بين شقوقه، ويؤكد ولاءه وولاء من سبقوه، ويقول إن القدس هي عاصمة إسرائيل، فالطريق إلى البيت الأبيض كان وما يزال يمر عبر تل أبيب. وهكذا يؤكد رومني مثل أوباما، أن القضية التي تشغل بالهما في الشرق الأوسط كله هي إسرائيل، ولا شيء غير إسرائيل، وبينما يخيب أمل العالم، بغربه وشرقه، الذي صفق لفوز أوباما في رئاسيات 2008 واستبشر بحدوث تغيير إيجابي في ذهنية الناخب الأمريكي والسياسة الأمريكية، لأن أوباما الأسود كان أكثر أمريكية من كل الرؤساء البيض، وأن النظرة الأمريكية الاستعلائية والعدائية للعالم، لم تتغير خلال حكم الرجل ذي الأصول الافريقية. وبينما يخيب أمل الجميع، يزداد عرب المشرق تشبثا بأمريكا، وبينما يحج رؤساء أمريكا إلى القدس يحجّ زعماء الثورات العربية وعرّابيها من أمراء الخليج إلى البيت الأبيض، معتقدين بغباء أن خلاصهم الوحيد من أنظمة بلدانهم الفاسدة يأتي من هناك، وعن غباء يتآمرون على بلدانهم ويخوضون حروبا مدمرة سوّت بنيانها بالأرض، ظنا منهم أن الوعود الأمريكية بالديمقراطية وبحياة أفضل ستصب حقا في مصلحتهم. ففي الوقت الذي يتقاتل فيه العرب بأسلحة عربية ويدمرون ترساناتهم ويقتلون أبناءهم ويخلون مدنهم من الحياة، تسعى أمريكا ورؤساء أمريكا إلى زيادة تسليح إسرائيل، البلد الأكثر تسليحا في الشرق الأوسط، والنظام الأشرس والأكثر ظلما في المنطقة والأكثر عدوانية لكل ما هو عربي. هل عرف العرب مأساة في تاريخهم أكثر من هذه التي نعيشها اليوم؟ ندمر أوطاننا بأيدينا، وتقتل أسلحة تم اقتناؤها بالملايير على حساب لقمة عيش شعوبنا، أبناءنا في حرب نخوضها بالوكالة على ترابنا، حرب وقودها شعوب فقدت الأمل وضاعت منها بوصلة المستقبل بسبب ما عانته من بطش وفساد على أيدي الأنظمة. نخوض حربا بالوكالة في سوريا محل إسرائيل وتدمر القوة العسكرية السورية في حرب تافهة وغير مضمونة الغاية، وتزداد إسرائيل قوة، وتدمر العراق بطائرات أمريكية تنطلق من قطر ومن السعودية ومن قواعد الخليج الأخرى، ويدعي أمراؤها أنهم فعلوا ذلك من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان العربي. ويمول أمراء الخليج المعارضة لإسقاط الأنظمة، مثلما يمولون بناء المستوطنات اليهودية في فلسطين. نتشبث بحلول تأتينا من أمريكا، ولا شيء يأتينا من أمريكا غير الأمر بالقتل والتخريب، ترسل إلينا عملاءها لتخريب العقول والنفوس، وترسل الملايير وأحدث الأسلحة لإسرائيل لتحارب بها العدو، الذي هو نحن العرب؟!