تعزف الكثير من الفتيات عن الزواج في السنوات الأخيرة بمحض إرادتهن، ومن أجل تحقيق أمور أخرى أكثر أهمية بالنسبة إليهن من العيش وفق شروط ومبادئ تفرضها عليهن الحياة الزوجية. هن نساء أردن “الحرية وإثبات الذات” في الحياة المهنية بالدرجة الأولى، وأخريات فضلن الانتظار للظفر بالأحسن، غير أن “شبح العنوسة” كان الأسبق إليهن من تحقيق الأحلام. أضحى في السنوات الأخيرة العزوف عن الزواج ظاهرة تستقطب فتيات باحثات عن الحرية وتحقيق الذات، وسط رغبتهن الكبيرة في الابتعاد عن الروابط الاجتماعية التقليدية التي تفرض عليهن نوعا من الالتزامات التي يرفضنها، وبين تحقيق الأهداف والفشل في ذلك تعاني الكثير منهن من ويلات الندم بعد فوات الأوان. تحقيق الاستقلال الذاتي والمالي أول الأسباب رغبة الكثير من النساء في الحرية والاستقلال الذاتي والمالي، وبسبب العروض المهنية المغرية التي تنالها المتعلمات خاصة، ساهمت بشكل كبير في استغناء بعض الفتيات عن الزواج، ضاربات بالميثاق الغليظ عرض الحائط. ولمعرفة بعض أراء النساء حول الموضوع التقينا بوداد، في الثلاثين من عمرها تقول:”استقراري المادي والمهني منحني إحساسا بالاستقلالية، فحياة النجاح والحرية أهم بالنسبة لي من جدران البيت وتلبية طلبات الزوج”. كما ترفض وداد لقب العانس بشدة قائلة:”إن كان رفضي للزواج عن قناعة وإرادة سميتموه عنوسة، فأنا إذن لم أجبر عليها ولم أدخلها من باب سوء الحظ، لاسيما أنني سئمت سماع قصص لتجارب زواج فاشلة، كنت أقارن بين حريتي وسجن صديقاتي، واستقراري المادي والمهني، في حين أنهن مرتبطات بمال أزواجهن، وراحة بالي مقابل قلقهن ومسؤولياتهن كثيرة”. .. وأخريات تبحثن عن الكمال والتميز في زوج المستقبل رغم رفض الكثير من النساء القطعي أن تقبلن بالزواج قبل تحقيق أحلامهن وطموحاتهن المادية بالدرجة الأولى، غير أن البعض قررن تأجيل الفكرة فقط إلى حين إيجاد زوج مميز ومثالي رسمن ملامحه في خيالهن، حتى بتن لا تقبلن بغيره، فالمال والجمال والمستوى التعليمي العالي وامتلاك بيت وسيارة فخمة وحسن الأخلاق والأدب.. هي الصفات التي لا تفرط فيهن أغلبهن!. وفي سياق ذي صلة تقول مريم:”كنت أبحث عن شاب مميز وأرفض كل الخاطبين”، حينما سألناها عن سبب عزوفها عن الزواج، مضيفة:”نموذج الرجل المميز والكامل لايزال الحلم الذي أنوي تحقيقه، فأنا لا أقبل أبدا أن أوافق على الزواج برجل عادي يمكنني أن أجد في الغالب من هو أحسن منه، فالبحث عن صورة البطل بحث شاق، غير أن التميّز ليست كلمة نادرة لا نجدها فقط في عالم الروايات”. ومن جهتها تقول سهيلة إنها تخاف من قبول الزواج برجل عادي لا يحقق لها آمالها في الارتباط بشخص يناسبها من كل النواحي، مشيرة إلى أن اختيار الشخص الذي تكمل معه حياتها ليس بالأمر الهين الذي تقرره بسهولة. الندم مصيرهن في الغالب.. أعربت الكثير من اللاتي تأخرن عن سن الزواج بمحض إرادتهن عن ندمهن على التأجيل الذي جعل الوقت يسير عكس إرادتهن، وفي ذات الصدد تقول هجيرة 42 سنة، والتي كانت في انتظار استكمال دراستها الجامعية ومن ثم البحث عن عمل يحقق طموحاتها المادية في شراء سيارة وشقة صغيرة:”عزوفي عن الزواج ترك لي فراغا رهيبا لا يمكن ملؤه إلا من قبل طفل صغير يملأ علي الصمت الذي يخيم على البيت، الآن فقط أدركت أنني كنت مخطئة في القرار الذي اتخذته، وتمنيت لو يرجع الزمان إلى الوراء وأغير كل ما أقدمت عليه فقد دمرت حياتي بيدي”. كما تقول:”تركت قطار الزواج يمر من محطتي، لذا أتأسف على شبابي الذي ضيّعته بسبب عنادي، فأنا أعيش الوحدة التي تقتلني كل ثانية، نلت من الدنيا كل ما تتمناه أي فتاة، تحصلت على المال والمنصب المهني المناسب، لكن بعد عملي أعود ليلا لأغرق في صمت المكان، وجدران البيت تلومني لاشتياقها لأصوات الأطفال وزوج يحمينا”. الدين يعارض وجهة نظرهن لمعرفة رأي الدين في تأجيل الزواج أو العزوف عنه، استشرنا أخصائي العلوم الشرعية، نصر الدين خالف، الذي يلوم الفتيات اللاتي تخترن العزوبية عن سبق إصرار، منوها أن الزواج سنة من سنن المصطفى، والتي تبرأ صلى الله عليه وسلم من كل من يرفضها. وقد أوضح الدكتور نصر الدين أن قضية عزوف الفتيات عن الزواج غاية في الخطورة لا يجب التساهل معها أو التغاضي عنها، لأنها تعد خروجا عن الدين والعادات والقيم، لقوله تعالى:{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا}، لذا ينصح ذات المتحدث الفتيات أن يوقنّ أن الزواج حفظ ورعاية وحياة.