الحديث مرة أخرى عن طابوهات الكتابة في الجزائر هو الحديث عن الرقابة والسلطة. وإذا جزمنا أن المشهد الأدبي الجزائري يملك حريات معينة ولا مكان لممنوعات الحزب الواحد وخطوطه الإيديولوجية والاجتماعية، فماذا عن الرقابة الذاتية، وما الذي يشكل الممنوع في الكتابة الجزائرية؟؟ هل لايزال الجنس والجسد طابو في الكتابة الأدبية الجزائرية بعد كل من أمين الزاوي ومحرماته.. وفضيلة الفاروق ومراهقاتها.. وقبل ذلك بوجدرة في الكثير من كتبه بلغتين؟؟ وهل يمكن أن يشكل الحاكم والسلطة طابو والعالم يشهد ثورة ميدانية على زعمائه، كما وضح من قبل عبد العزيز غرمول في روايته ”زعيم الأقليات الساحقة”؟؟ لعلنا نجد بعض السلطة الدينية تحفظ لرجل الدين الكثير من الاحترام والتبريرات في بعض الكتابات، وقد لا نجدها عند البعض.. ”الفجر الثقافي” تدخل هذا الأسبوع ثالوث الحكاية وتقتحم طابوهات الكتابة الأدبية الجزائرية من أجل توضيح آخر قبل أن ينتهي الحديث نهائيا في هذا الموضوع من الملحق الثقافي ل”الفجر”.. فضيلة مرابط: ”أحاول دائما كسر أي طابو لا يعكس حقيقة الجزائريين” من خلال ما تضمه كتاباتي عن الجزائر الحية بسرد قصص لم تروى في السابق للجزائريين، وأبحث قبل كل شيء عن الكلمة المحددة والمناسبة في النص المراد طرحه، إضافة إلى أنني اكتب لأنقل أفكاري وقراءاتي ليس الهدف منها تغيير أو تضخيم الأحداث أو الموضوع، إذن أسعى جاهدة بكل جدية وبسرعة لإيجاد الكلمة المناسبة، الصحيحة والجميلة أيضا، أريد عبرها تقديم شهادة عن تاريخ الجزائر وشعبها بكل فئاته وطبقاته. وكان كل ما عشته أين رأيت حقيقة الاستعمار الفرنسي ومعركة الجزائر وكذا الوضع الحالي لمجتمعنا أحاول فيه نقل هذه الصور ودون مقدمات أو خلفيات تسعى لتغطيتها أو للتستر عليها، وبالتالي أحاول دائما كسر هذا الطابو الذي لا يعكس حقيقة الجزائريين، من خلال العيش في ظروفهم الصعبة التي تبدو جليا، إلى جانب أنني أنتظر أن تحقق كتاباتي أهدافها، ففي المقام الأول أنتظر بفارغ الصبر ”الديمقراطية” وما تحمله في طياتها. وفي السياق أعبّر بكل حرية في مختلف كتاباتي بغض النظر عما يقال هنا وهناك، باعتبار هذا المكسب الذي تطوّر بشكل مميز في الجزائر، حيث تم تكسير بعض القيود والحواجز التي كانت سابقا منذ سنوات قليلة فقط، لهذا أعتقد أن حرية التعبير تساهم بشكل أو بآخر في إزالة الطابوهات على اختلافها وتنوعها على غرار ما عرفته في الماضي، حيث كانت الصحافة - على سبيل المثال - كلها تابعة للدولة ولا رأي أخر غير رأي الحزب الواحد، أو ما أستطيع تسميتها بالدكتاتورية التي انتقدتها في ثلة من أعمالي، بينما الآن المشهد الإعلامي متنوع وهو ما يلاحظ اليوم في جود عديد الصحف العربية والناطقة بالفرنسية. كما أن الصحفيين أصبحوا ينتقدون وحتى بطريقة عنيفة جدا بعض المشاكل والأساليب التي تستعملها الدولة مع الشعب. من جهة أخرى كنت أعمل في السابق أثناء إعداد يعمل على تقديمه إلى ناشر فرنسي لا يرفض أبدا ما أكتبه، بل حتى لا يريد تغيير ثلة من مفرداته وهذا بسبب الظروف والقيود المفروضة على حرية التعبير والأفكار في الجزائر، وأدعو في الإطار ذاته إلى رد الاعتبار للناشر الجزائري الذي من خلاله تبرز أفكار الكاتب ومنها ما يتعلق بكسر طابوهات عدة، تلك التي ليس بإمكانه التطرق اليها انطلاقا من جملة اعتبارات وأبرزها حرية التعبير والصحافة. حميد قرين: ”أكتب عن العلاقات الجنسية دون تفصيل مراعاة لمشاعر أولادي” بالنسبة لي فإنني أعتبر طابو الجنس هو أحد ما يواجهني في مختلف كتاباتي التي تتضمن بعض الإيحاءات الجنسية عبر أحداث القصة، غير أنني لا أتكلم عن العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة كثيرا وبشكل مفصل، حيث لا أعمد في هذا الباب إلى تقديم ولو توضيح في هذا الشأن لأنني بهذا الخصوص، ولست أنا فقط، باعتبار انتماءنا الى مجتمع اسلامي محافظ، كما أن قارئي الأول هو ابني الذي يبلغ من العمر 20 سنة، وابنتي التي تبلغ 20 سنة كذلك، وبالتالي لا أريد أن أضرهما أو أجرح مشاعرهما لأن ما يقرآنه قد يسيء إليهما نفسيا ويغير نظرتهما أو أفكارهما حول كتاباتي. فيبقى طابو أو هاجس العلاقات الجنسية أحد طابوهات كتاباتي ورواياتي، لكن كما ذكرت سابقا من غير تفصيل أو سرد أو توضيح جلي له، بل في شكل إشارة فقط وتلميح. أمين الزاوي: ”رواياتي تنتقد النفاق الديني، عبودية المرأة جنسيا، والسياسة بلا أخلاق” أعتقد أن الكتابة الإبداعية بالأساس، لاسيما الرواية، هي تكسير تقاليد قراءة بالية وتكسير تقاليد موضوعات بالية كذلك، وهذه التكسيرات لا تكون إلا في مواجهة الطابو، حيث يعرف الجميع أن الطابوهات تتجدد في كل مرة لأنها ليست ثابتة وإنما تتغير باستمرار والممنوعات تتجدد أيضا بشكل مستمر، كما أن ّالكاتب الذي يقرأ التاريخ وملامح المستقبل هو الذي يستطيع أن يواجه هذه الطابوهات القديمة أوالجديدة، ليس محاولة منه إثارة الانتباه ولكن من خلال قراءة بدرجة أولى للتاريخ والتراث جيدا. لذا أعتقد أن الكاتب الذي لا يقرأ وليس له معرفة عالية بالتراث وارتباط بالواقع الاجتماعي واللغوي والسياسي لا يمكنه مطلقا ممارسة عملية تكسير الطابو. ولذلك بقدر ما يكون الكاتب المبدع على دراية بهذا التراث والواقع فإنّ التكسير أو التحطيم أو تجاوز هذا الحاجز يكون مقبولا لدى القراء، كما أرى أنّ قرائي في الرواية رغم كل التكسيرات الموجودة فيها، سواء ما تعلق بطابو الدين أو طابو السياسة أو طابو الممارسات الأخلاقية التعيسة والسلوكيات الكئيبة الموجودة الآن، فأظن أنّ رواياتي يقرأها الجميع، الحداثيون والسلفيون واليمينيون واليساريون دون فرق، بالنظر إلى ما يوجد فيها، هذا الصوت الذي يريد أن يكون البديل لما أسميه بالنفاق الاجتماعي الذي طغى على الفضاء الثقافي والمعرفي والفني في بلادنا وكذا في العالم العربي والإسلامي،وهذا العالم يحتاج إلى كاتب يقول كفانا من النفاق وكفانا من الممارسات التي تجر وتسحب المواطن إلى ما هو أتعس، وبالتالي علينا إذن أن نخلق ثقافة النقد من خلال تكسير الطابوهات عبر بناء قارئ جديد ونقد جديد يعتمدان على أسئلة جديدة. أما بالنسبة لي فإن الطابو الأساسي عندي هو الدين لأنّ الدين مع احترامي للديانة الإسلامية، أنا ابن الإمام والمثقف ثقافة دينية، لأنه أصبح تجارة كبيرة تمارس سياسيان، كما أضحى ورقة انتخابية وسياسية وورقة نفاق اجتماعي يتستر به الجميع من يمين ويسار، لذا أقول أن أول طابو هو الدين وكيف يجب تكسير هذا الطابو من أجل قول إنّ الدين الإسلامي، أو الدين بشكل عام، عليه أن يظل تلك العلاقة بين الله عز وجل وبين عبده دون نفاق، ودون سلطة وسيطة بيننا وبين الله. كما يأتي ”الجنس” ثاني طابو في كتاباتي، وهو حالة إنسانية طبيعية عادية جدا، وبالتالي لا يمكن الكذب في هذا الموضوع، فالجنس ضروري للإنسان سواء رجل أو امرأة، غير أنني أعتقد أّن هذه الحالة لا تتعلق بالأخلاق بل هو حالة ثقافية. فبقدر ما نكون أسوياء عل مستوى رؤوسنا وتفكيرنا فإنه حالة إنسانية، وبقدر ما نكون على مستوى الرأس أي مشوشين فإنه يصير في هذه الحالة عبارة عن عبودية للآخر، وهذا ما أدينه وأكبره وهو الطابو، فكيف أن يتحول الجنس إلى عملية عبودية للمرأة، لكن يجب أن يكون عملية متساوية بين الطرفين، وبطبيعة الحال هناك الطابو الثالث ”السياسة”. وأنوه أنه يستلزم أن تكون خارج الدين وخارج الأخلاق، بمعنى مخالف كيف تقدم مشروع للمجتمع سواء اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي، كما يشترط معاملة الناس دون اللعب بعواطفهم الأخلاقية أو الدينية، بالتالي هنا يبدو أن السلطة القائمة في أي بلد كان تعتمد على هذان العاملين، أي تمارس هذا العمل. وفي النهاية أشير إلى أنّ رواياتي بشكل أساسي تجيء لتنتقد وتدين هذا الوضع. الحبيب السايح: ”الطابو الحقيقي أن تطال الأخلاق العامة وحرية الآخر” أنا ليس لي طابوهات مُعَلمٌ عليها ومحددة كما يعتقد البعض، وإنما أنا شخصيا أنظر إلى الأمر بوصفه ذا علاقة بالأخلاق العامة وكل ما يمس حرية الآخر، أو كل ما يمكن أن يسيء إلى الوجدان الجماعي، فهذه كلها بالنسبة لي اعتبرها حدودا لا يمكن تجاوزها، أما اليوم مع التحرر الذي تعرفه البشرية ومع وسائط الاتصال المتعددة جدا هناك نوع من الانفجار الذي أصاب هذه الطابوهات، وهي طابوهات خلقتها الأنظمة بكل أشكالها السياسية، الأسرية وأنظمة الحياة بصفة عامة هي التي تخلق هذه الطابوهات ليس للحفاظ على كينونتها دائما، وإنما لتدجين الذي لا ينصاع أو لا يندمج ضمن منظور هذه الأنظمة، ومن ثمة فإن الأدب كما الفن لأنه في الواقع من بين الوسائل التي ينبغي أن تقتلع أقفال هذه الأنظمة التي تمس الإنسان في حريته، في معتقده وفي أحلامه. وأنا شخصيا كل ما يعيق تطور الإنسان وأحلام الإنسان أعتبره طابو ينبغي أن أحكم إقفاله، والرواية في اعتقادي ولو أنها تستطيع كسر كل الطابوهات، إلا أنني أشدد على أن هذا النوع من الإبداع يجب أن تتفاد السقوط في الاستفزاز، لأنه أن تستفز غيرك وأنت تعتقد أنك بصدد كسر طابو فهذا ليس من الرواية ولا من الفن، لأن كلا منهم يجب أن يكون ذات جمالية كي يخترق الطابو، بمعنى كلما كان نصك جميلا مبنيا وذا قيم إنسانية فعلية كلما استطاع أن يخترق أي نوع من الطابوهات لأن له المصَوِغ الفني والجمالي، ثم أن الكاتب كي يكسر طابو ما يجب أن يتوفر على الأداة وهي اللغة، وهو ما يضع الكاتب أمام خيارات لغوية، تراكيبية، بلاغية واستعارية كثيرة جدا كي يخوض في أمر يعتبر محظورا أو ممنوعا، ومثال ذلك الجاحظ، النفري، النفزاوي أو السيوطي كلهم كتبوا فيما يمكن أن نعتبره الآن محظورا جنسيا، لكن لمكانتهم الفكرية، الفلسفية، اللغوية والمؤسساتية لأنهم مؤسسات في حد ذاتهم وحضورهم بشكل عام يستطيعون كسر هذا الطابو، لأن القارئ وهو يطلع على كتاباتهم يؤمن فعلا أنهم لا يقصدون استفزاز أحد ولا الشهرة على حساب هذا الطابو، وإنما خاضوا في الأمر لأن ذلك الشكل يتطلبه الذوق والعصر، وعليه أنا ككاتب لست مع الذين يستغلون مثل هذه الممنوعات ويحركونها لكسب قراء أكثر أو شهرة معينة، وهذا كله على حساب مراعاة ما يمكن أن يكون في الإطار الجمعي الذي يشمل الذوق العام، وهذا الأخير مرتبط بالقيم التي لا يمكن المساس بها وهي القيم الجميلة النبيلة المتعلقة بالحرية والعدالة المساواة بين الأجناس، الديانات، الثقافات واللغات، وهي قيم حسب رأيي لا يمكن القفز عليها، وحين تتناولها الرواية ينبغي أن تتناولها في القالب الجميل لا في الإطار الاستفزازي، وعليه فأنا مع كسر الطابو لكن بطريقة حضارية جميلة وأن تصوغ قضية الكسر فنيا. وهنا يكمن الفرق في أن تقدم خطابا مباشرا لكسر طابو معين وبين أن تقدم خطابا أدبيا يجعل القارئ يعي هذا الموضوع ”لطابو” ويفهم شروطه ثم يتجاوزه لأن السياق يقتضي مشهدا خارجا عن العرف المألوف، وعليه فأنا أكتب كي يعيد القارئ بناء ما أهدمه في الواقع بواسطة الكتابة. مايسة باي: ”أنا لا أكتب لكسر الطابوهات” الكتابة بالنسبة لي هي إمتاع الغير وأكتب لسرد القصص، واهتمامي الأول والأخير أن يغوص قرائي في تفاصيل ما أقصه عليه، وإن كان الضرورة تتطلب مني الخوض في موضوع طابو تقتضيه روايتي فلن أتردد في تناوله ولن أجد مانعا يقف في طريق توظيفي لأي مشهد مماثل، لأن الكتابة حسب رأيي لا قيد عليها، لكن من جهة أخرى لا أقول بأن مايسة باي، لا يستوقفها الطابو لكنني لا أبحث عن صنع التميز بالخوض في مثل هذه المواضيع المواضيع الطابو، أو أتعمد كسرها حتى وأن غابت الضرورة التي تقتضي مني الخوض في ذلك لا لشيء سوى لأنني أبحث عن الشهرة على حساب مضمون رواياتي. كما أعتقد أن العديد من الكتابات تتطلب من صاحبها القفز على كثير من الأمور مهما كانت الخلفية التي يستند إليها الكاتب، وهناك العديد من القصص تستدعي الوقوف عند طابوهات معينة وتفرض على الكاتب التعاطي معها بأي شكل من الأشكال حتى لا تفقد نصوصه روح المعنى وتتجرد من المتعة التي قد تضفيها عليها مشاهد معينة، وعليه أظن أن المبدع الحقيقي ليس ذلك الذي يبحث عن قصد أو بالأحرى يلهث وراء المحظورات بحثا عن الانفراد والشهرة، وإنما الكاتب الحقيقي هو ذلك الذي يحسن الوصول إلى عقل وقلب القارئ ولا يستوقفه أي طابو يعترض طريقه مهما كان نوعه، كما أن الكاتب بشكل عام متاح له الخوض في كل مجالات الحياة وبكل حرية، وإلاّ، أين هي حرية التعبير التي يتغنى بها أصحاب العقول والأقلام المتحررة. وأنا أشير إلى أن الرواية هي العمل الوحيد الذي يتيح للمبدع تناول الممنوعات لكن دون المبالغة في ذلك أو توجيه خوضه في المحظور لخدمة أغراض شخصية دنيئة لا تخدم لا المبدع ولا القارئ، وعليه أقول بأنه لا يمكن لشخص كائنا من كان أو موضوع مهما كان مضمونه أن يكون طابو في وجه الإبداع بكل أنواعه، لأن مشكل مصطلح المواضيع الطابو هو استغلال المبدعين لهذا المفهوم لخدمة أغراض شخضية، وفي الوقت الذي يحاول فيه بعض الكتاب كسر المواضيع الطابو بكل سلالة، يحولها البعض الآخر إلى بلبلة ترضي أطماعهم الباحثة عن الشهرة ولو على حساب الذوق العام. محمد بوطغان: ”أصبحت الكتابات الشعرية اليوم بعيدة عن الطابو” شخصيا لا أعتقد أن الكتابة الإبداعية وبالخصوص الشعرية تحمل طابوهات، لأن زوايا التناول لمختلف القضايا والأسئلة ولمختلف الهواجس أنها تتلون بلون الدين أو العرق أو الجنس وحتى المكان، بل ما هي إلا أوعية تأخذ منها الجمالية من أجل أن تحقق حضورها عند متلق افتراضي او حقيقي، أنا شخصيا ليس لي أي طابوه في الكتابة ولا حتى أية عقدة، لأنني أستطيع قول رأيي بكل حرية دون زيادة أو نقصان، أي كما أراه وكما أشعر به سواء في المسائل السياسية أوالاجتماعية أوحتى قضايا الجنس أومختلف المواضيع الشائكة مثل الدينية والعقائدية، فأبدي رأي فيها انطلاقا من هذا الشاعر الذي يسكنني وهذا الحس الذي بداخلي، فقد يكون مطابقا كما تريده جهات أو دوائر أو مؤسسات معينة، وقد يكون مخالفا صادما.