بدخوله العرض الجماهيري لأول مرة هذا الأسبوع، اكتشف الجمهور الجزائري الفيلم الذي طال انتظاره، وجرى الاشتغال عليه لسنوات من طرف المخرج سعيد ولد خليفة، والسيناريست عز الدين ميهوبي. ”زبانا” الذي أنتجته شركة ”ليث ميديا” وأثار الكثير من الجدل في العرض المخصص للإعلام، داعب فضول الجمهور لاكتشاف مدى صحة التقارير المتلاحقة بخصوصه، علاوة على كونه وثيقة تاريخية تحمل الكثير من التدقيق بخصوص قصة شهيد المقصلة، رغم كل التشكيكات التي أعقبت العرض الخاص، في ما بدا محاولة لتحقيق شهرة ما على حسابه. زبانا ليس لصا ولا قاتلا وصفت بعض المقالات فيلم ”زبانا” (أدى دوره الممثل الشاب عماد بن شني)، بالفيلم الذي صور شهيد المقصلة في هيئة اللص والقاتل المجرم، الذي أعدم المعمر الفرنسي ”فرانسو رون” ببرودة دم، أمام أعين زوجته وابنته دون سبب واضح. هذه المقالات لم تكن منصفة بحق ”زبانا”، ولم تنتصر للحقيقة التاريخية التي أفضت إلى اعتقاله وانتهت بإعدامه، حيث هاجمت الفيلم فقط لأنه أخرج شهيد المقصلة من الصورة النمطية التي كرستها قصيدة شاعر الثورة مفدي زكريا، إلى صورة أكثر طبيعية وواقعية. ورغم أن الفيلم ساق المبررات الكافية لمقتل المعمر الفرنسي ”رون”، الذي كان يعتدي على الفلاحين الجزائريين، ورغم أن الفيلم أظهر عدم نية ”زبانا” ورفاقه في قتله، بقدر ما كانوا يرغبون في تحذيره من المضي في إهانته لكرامة الجزائريين، الأمر الذي رد عليه رون بشتمهم والاشتباك معهم; ما فرض حتمية قتله، إلا أن الكثير من المقالات استنكر تصوير هذه الحادثة المفصلية، التي كانت السبب الرئيسي في اعتقال زبانا، ومحاكمته محاكمة عسكرية بتهمة ”قتل مواطن فرنسي”، التهمة التي أفضت إلى إعدامه عام 1956. المجاهدون بشر أيضا من نقاط قوة فيلم زبانا الذي لم يستند إلى نص كثيف (أواستند إلى نص يصلح لفيلم قصير) هو الاشتغال على تكسير السياقات الرتيبة للأفلام الثورية الجزائرية، التي طالما تعاملت مع المجاهدين بطريقة تصنفهم في خانة الملائكية المطلقة، ربما تماهيا مع التوجه العام بتقديسهم. كما تطرق ولو بإيجاز إلى قضية لطالما كان التطرق إليها إعلاميا وفنيا من المحرمات، وهي الحساسية التاريخية بين ”الأفلانيست” و”المصاليين”. صوّر الفيلم المجاهدين في صورة بشر عاديين يضحكون، يمزحون، يلعبون، يشتاقون لأهاليهم ويبكون عند فقدان أصدقائهم.. الأمر الذي لطالما صنف في خانة الطابو صعب الاختراق، حيث ظل التعاطي البشري الوحيد مع الشخصية الجزائرية في فترة الثورة، يتم مع شخصية ”الحركي الخائن”، الذي طالما ألصقت به كل الصفات السلبية، وقليلا ما بُررت أفعاله، مثلما حدث في فيلم ”الأفيون والعصا” حينما ساق النص تبريرا لنزوح الحركي (لعب دوره رويشد) إلى صف الاستعمار الفرنسي، بإحساسه الدائم بالدونية كونه فقير، ولا يملك أشجارا للزيتون في دشرة تربط قدر ساكنيها ربطا مباشرا بامتلاكهم لعدد كبير منها. زبانا ورفقائه، قد يتجادلون بخصوص سيجارة، ويقتسمون الخبز والاشتياق للأهل، ويلعبون ”الداما” في ساحة السجن خلال فترة الاستراحة، ويبكون عند تنفيذ حكم الإعدام بحق أحد ”الخاوة”، صورة أكثر واقعية تخرجهم من خانة ”السوبر هيرو” صاحب القدرات الخارقة، وتضفي قيمة أكبر على نضالاتهم دون تمييع، من منطلق أنهم عانوا كثيرا خلال الثورة التحريرية. خيارات ”ولد خليفة”.. مبررة؟ لا يمكن الحكم على مدى تفرد خيارات المخرج ولد خليفة، بقدر ما يمكن الحكم على ذكائها، وهو الأمر الذي نجح المخرج فيه إلى حد ما، باعتبار أن معظم مشاهد الفيلم جرى تصويرها في إضاءة منخفضة، الأمر الذي بقدر ما يضيق على خيارات المخرج، بقدر ما يفسح المجال لمدير الإضاءة للإبداع. العمل نجح إلى حد ما في الموازنة بين الخيارات الإخراجية والخيارات التقنية. رغم أن الفيلم صور تقريبا بالمجمل في استوديو يجسد سجن سركاجي تم بناؤه خصيصا للعمل، إلا أن المشاهد الخارجية فيها نوع من التحايل والاستسهال. ففي حين تم التعامل بذكاء مع مشهد صور محطة القطار مع التركيز على بعض التفاصيل المضافة من لوحات إرشادية، تم تصوير جل المشاهد الخارجية بتقنية ”الماكرو” التي تعزل الخلفية، الأمر الذي يظهر استسهالا في إنجازها على قلتها، وزهدا غير مبرر في تهيئة ديكور هو بالأساس ديكور طبيعي مهيأ للتصوير. دعم التلفزيون: خطر على السينما الصيغة الجديدة لدعم التلفزيون لإنتاج الأعمال السينمائية تشكل خطرا كبيرا على الأفلام السينمائية، حيث يشترط التلفزيون الحصول على نسخة معدلة من الفيلم في صيغة مسلسل تلفزيوني، لتقديم الدعم للمنتجين. وهذه الصيغة تجبر السيناريست والمخرج على الوقوع في فخ التمطيط، بعد الانتهاء من كتابة السيناريو المخصص للفيلم، على اعتبار أن تقسيم فيلم سينمائي من ساعة وخمسين دقيقة مثل زبانا إلى مسلسل تلفزيوني، يضع المخرج أمام خيارين، إما أن يحذف بعضا من المشاهد الأصلية في الفيلم ليحتفظ بها لنسخة المسلسل، أو أن يضيف مشاهدا غير موجودة في سيناريو الفيلم، والخياران سيئان ويضران بصناعة السينما. على التلفزيون الجزائري مراجعة صيغة الدعم هذه، من الأحسن الحصول على حق البث الأول للفيلم بشكل حصري، عوض السعي إلى مسخ الإنتاج السينمائي بهذه الطريقة البشعة! مساهمة: يوسف بعوج
بطاقة تقنية اسم الفيلم: ”زبانا!”. المدة: ساعة وخمسون دقيقة. إنتاج: ليث ميديا. سيناريو: عزالدين ميهوبي. إخراج: سعيد ولد خليفة. تمثيل: عماد بن شني، نيكولاس بيقون، خالد بن عيسى، عبد القادر جريو، لوران جيرنيون، جهيد دين الهناني. تصميم الديكور: رمضان قاصر. تصوير: مارك كونينكس. مونتاج: جون ديبروي. صوت: فرانك فليز، ايريك تيسونارد.