يوما بعد يوم؛ نتأكّد من صحة وصف المفكر السعودي عبد الله القصيمي للعرب؛ بأنهم "ظاهرة صوتية"، وهو الوصف الذي فصّل فيه الفصيمي في كتابه المثير للجدل الصادر قبل ثلاثة عقود من الزمن. يقول القصيمي في كتابه "إن الإنسان العربي ليكون قويا في صوته، ويرى أن عليه أن يكون قويا في ذلك في المواقف والمواجهات والمشاكل التي يكون الآخرون أوالمتكلمون أقوياء فيها بضرباتهم وأفعالهم وذكائهم وأفكارهم". لا أريد من خلال استحضار فكرة القصيمي، استحضار الوجع العربي الضارب في التاريخ، ولا الندب الإعلامي انسجاما مع الراهن الغزّاوي. ولكن مقولة القصيبي قفزت إلى ذهني وأنا أتابع حلقة من أنجح البرامج التلفزيونية التي اشترت حقوق تجسيدها عربيا؛ قناة "أم بي سي" السعودية، وأعني برنامج "أحلى صوت" أو"the voice" الذي استقطب أكثر من 100 مليون مشاهد عربي سهرة الجمعة الماضية؛ التي سقط فيها أكثر من 20 قتيلا في غزّة. هذا البرنامج قد يجسّد - من حيث المضمون - مقولة القصيمي، ولكنه يجسد أيضا - من حيث الشكل - عملية استئصال ورم القومية من الرأس العربية.. كيف ذلك؟؟ سأقول لكم: في سنوات طفولتنا البعيدة عن قنوات "أم بي سي"، عندما كان يطلب منا تجسيد رسم ما في حصّة الرسم، كنا نهرب جميعا إلى الفكرة النمطية الأقرب إلى مخيلتنا الطفولية وأقصد بذلك رسم كل ما له علاقة بفلسطين.. مسجد الصخرة، الكوفية، المعلاق، الرشاش.. وخصوصا "يد النصر"، وهي اليد التي يرفع صاحبها سبابتها ووُسطاها، على شكل الحرف اللاتيني ."v" أتصوّر اليوم؛ في زمن الأم بي سي هذا، لو أن أبا لايزال يحتفظ برسومات طفولته تلك، أطلع ابنه على رسم "يد النصر"، سأله الولد مبتهجا :" هل كنتم في زمنكم أيضا؛ تشاهدون the voice؟".. ألم أقل لكم إنها عملية مدروسة لاستئصال ورم القومية من الرأس العربية!؟ لقد كنا بالأمس؛ "ظاهرة صوتية" من حيث المضمون فقط، واليوم أصبحنا " ظاهرة صوتية" من حيث الشكل والمضمون.