وزارة الصناعة: "تركيا وإيران مهتمتان بالسوق الجزائرية والحكومة لن تكتفي بمصنع واحد" ملف من البديهي أن يصبح خبر قرب إطلاق مشروع تركيب أو صناعة سيارة جزائرية، غير قادر بأي شكل من الأشكال على إثارة حماسة المواطن الجزائري، ليس بسبب الاكتظاظ وحالة الاختناق المستمرة التي تعاني منها الطرقات، وإنما لأن ما تعارف على تسميته ب”حلم السيارة الجزائرية” منذ ثمانينيات القرن الماضي أصبح كابوسا لم نتمكن، على مدار ثلاثين سنة، من الاستيقاظ منه. ”فاتيا”.. أول محاولة لتصنيع سيارة جزائرية أول محاولة لتصنيع السيارات تحمل ”الجنسية الجزائرية” ترجع إلى سنوات الثمانينيات، حين صنعت سيارة ”فاتيا” الحدث كونها كانت ستكون أول مركبة تصنع في الجزائر، لتفتح بذلك المجال أمام الجزائريين لولوج عصر آخر من خلال التوجه إلى القطاع الصناعي والميكانيكي، خاصة الذي كان يمثل حينذاك الفارق الأساسي بين الدول المتقدمة ونظيراتها المتخلفة. ولما كانت الجزائر تفتقر إلى التحكم في تكنولوجيا صناعة السيارات كان لابد أن يكون تجسيد المشروع في إطار شراكة مع مصنع معين، وهو الأمر الذي تم مع العلامة الإيطالية العملاقة وقتئد ”فيات”، التي استنسخ منها اسم العلامة الجزائرية المستقبلية ”فاتيا”، إلاّ أن تحديد الاسم والاتفاق عليه لم يكن الخطوة الأهم في تجسيد المشروع، حيث ظل حلما يداعب خيال الجزائريين للعديد من السنوات دون أن يجد طريقه إلى الواقع. وفي هذه الظروف، بدأ تشييد المصنع في ولاية تيارت، غربي العاصمة، وتوقع أكثر المتفائلين أن تتحول هذه المدينةالغربية إلى ”ديترويت” الجزائر. وبدأ الحلم يأخذ شكل الحقيقة، بينما توقع الجزائريون أن معاناتهم مع ندرة السيارات وغلاء ثمنها واستحالة حصولهم عليها ستنتهي أخيرا، لأن شراء سيارة جديدة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كان شبه مستحيل، ذلك أن وكلاء الشركات الأجنبية لم يكن مسموحاً لهم بالنشاط، ولم يكن سهلا أيضا بالنسبة لهم الحصول على سيارة من الشركة التابعة للدولة والتي كانت تقوم بالاستيراد، إلا بالوساطات والرشاوي وكثير من الانتظار. واضطر الكثيرون لتقييد أسمائهم وانتظار 10 سنوات للحصول على فرصة شراء سيارة، وهناك آخرون سجلوا أسماءهم في قوائم الحصول على السيارة (بسعر مدعوم) ومازالوا ينتظرون إلى يومنا هذا. سيارة ”فاتيا” التي لم تر النور إلى الساعة لم يبرر مصيرها أو سبب التخلي عن المشروع، حيث بقي ذلك حبيس الكواليس وخاصة الخاصة، في وقت تتباهى السلطات العمومية الوصية، اليوم، بتقدم المفاوضات مع العلامة الفرنسية ”رونو” وقرب تبعا لذلك تحقيق الحلم، بينما يتبادر إلى الأذهان في كل مرة مصير ”فاتيا” عند الحديث عن ”رونو”. 2009.. الحلم يعود من جديد والمفاوضات تتوسع إلى 4 مجموعات بعد جمود دام ما يزيد عن العقدين وبداية من سنة 2009، عاد حلم إنشاء مصنع السيارات يراود الجزائريين بقوة، خاصة بعدما فتحت الحكومة باب المفاوضات رسميا مع مجموعات دولية، في مقدمتها المصنّع الفرنسي رونو والمجموعات الألمانية مارسيداس ودايمر كرايسلر وفولسفاغن، في وقت أبدى فيه مسؤولون دوليون رغبتهم في الاستثمار بقطاع السيارات في الجزائر، بما فيها إيران وتركيا، وقالت الحكومة الجزائرية إنها لن تكتفي بمصنع واحد للسيارات. وبالفعل باشرت الحكومة مفاوضات معمقة مع عدد من الأطراف. ورغم أن المحادثات مع رونو الفرنسية قطعت أشواطا مهمة مقارنة مع بقية المتعاملين، إلا أن وزارة الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار واصلت التفاوض مع المجموعات الألمانية، على رأسها شركة فولسافغن. وكانت أهم العوائق التي واجهت توقيع اتفاقية إنجاز مصنع في الجزائر هو شبه انعدام الاندماج الصناعي الذي من المرتقب أن تبلغ نسبته 30 بالمائة في حال توفير الزجاج وقطع الغيار، وكذا اختلاف المستثمرين والحكومة حول قاعدة 49 -51 بالمائة. وفي خطوة هامة وقعت وزارة الدفاع الوطني، شهر جويلية المنصرم، اتفاق شراكة يتعلق بإنشاء ثلاث شركات ذات رأسمال مختلط بين الجزائر- الإمارات العربية المتحدة وألمانيا، ويتعلق الأمر بالشركة الجزائرية لإنتاج الأوزان الثقيلة لعلامة مرسيدس بينز /ش ذ أ/ رويبة، والشركة الجزائرية لصناعة المركبات لعلامة مرسيدس بينز /ش ذ أ/ تيارت، وكذا الشركة الجزائرية لصناعة المحركات للعلامة الألمانية (مرسديس بينز-دوتز ومتو)/ش ذ أ/واد حميميم/ قسنطينة، ليتحقق حلم إنجاز السيارة العسكرية وتتواصل مفاوضات إنجاز مصنع السيارات النفعية السياحية، إذ أعلن صندوق الاستثمار القطري الذي يملك أسهما في رأسمال الشركة الألمانية” فولسفاغن” بداية سنة 2012 عن اهتمامه بقطاع الميكانيك في الجزائر، مؤكدا أنه قد يشارك في مشروع صناعة السيارات، وهو ما أعطى دفعا جديدا للمفاوضات وجعل المشروع يقترب من التجسيد والحلم يتحول إلى حقيقة. وما زاد من تفاؤل الجزائريين توقيع اتفاقية إطار مع رونو في ماي من السنة الجارية وإعلان المسؤولين الفرنسيين عن توقيع عقد إنشاء مصنع رونو رسميا لدى زيارة الرئيس، فرانسوا هولاند، للجزائر نهاية السنة الجارية. ”رونو الجزائر”.. في انتظار ولادة قيصرية طبقا لآخر تصريحات مسؤولي قطاع الصناعة في الجزائر، يقترب موعد تجسيد حلم ”السيارة الجزائرية” الذي ضمه برنامج المخطط الخماسي 2009-2013 بإشراف وزارة الصناعة والمؤسسات المتوسطة والصغيرة وترقية الاستثمار مع الشركة الفرنسية ”رونو” من التجسيد بالرغم من تضارب مواعيد التوقيع عليه لأكثر من مرة، إذ بعدما تم ضبط الملف من جميع النواحي لاسيما فيما يتعلق بتحديد نسب الاستثمار، تم الاتفاق على تحديد 20 بالمائة كنسبة تصدير توجه إلى السوق الإفريقية. كما عيّنت ولاية وهران لاحتواء المصنع على مساحة تعادل 150هكتار مع إدراج قاعدة 49/51 المنظمة للاستثمار الأجنبي كمبدأ رئيسي للشراكة. وفي هذا الإطار، حسبما نصت عليه بنود العقد وطبيعة الدراسة التقنية المتعلقة بالانتاج الأولي، توصل الطرفان إلى أنه قبل نهاية سنة 2013 سيكون منتوج مركبة جزائرية جاهزا بنسبة 40 بالمائة على الأقل، في حين تبقى نسبة 50 بالمائة مجرد نسبة محتملة. بينما يتم رفع عدد السيارات المنتجة على مراحل، حيث يكون العمل في المرحلة الأولى على تحقيق ما يقارب 25 ألف سيارة سنويا وصولا إلى 75 ألف سيارة، والتي ستكون على نوعين أو ثلاثة مقابل حجم استثماري قدرب150 ألف سيارة سنويا في المرحلة الموالية، أي خلال سنتين فقط من انطلاق المشروع. وكمرحلة تكميلية، اندرجت زيارة المكلف بمتابعة الاستثمارات الفرنسية في الجزائر، جان بيار رافاران، ضمن آخر الخطوات تجسيدا لمشروع الشراكة الجزائري الفرنسي، بعدما تم وضع آخر اللمسات والروتوشات تمهيدا للزيارة المقبلة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، شهر ديسمبر المقبل، الذي يعتبر موعدا هاما للتوقيع النهائي على اتفاقية الشراكة وإعلان تاريخ ميلاد مصنع السيارة الجزائرية.