أكثر من 7 بالمائة من الرجال يُعَنفون رغم أن للبيوت أسرار إلا أن قاعات المحاكم أضحت شاهدة في كثير من الأحيان على واقع مخالف يكشف عنه رجال وقعوا ضحايا تعنيف نسائهم، في حين يبقى الكثير منهم يعانون في صمت من مشكل عويص يعصف برياح رجولتهم، لتبقى أسباب الظاهرة ونتائجها رهينة الاعتراف. الجرأة لدى المرأة الجزائرية في أن تقدم على ضرب زوجها أو ممارسة مختلف أنواع العنف عليه لاتزال موضوعا شائكا ومستهجنا في مجتمعنا. ورغم أن الإحصائيات المتحصل عليها من طرف المحامي حميد رمالي، من خلال اطلاعه على القضايا المعروضة في المحاكم، تشير إلى أن نسبة الرجال المعنفين من قبل زوجاتهن وصلت إلى أكثر من 7 بالمائة إذا استثنينا الحالات المسكوت عنها، ناهيك عن الحالات التي تقدم فيها الزوجة على قتل زوجها، والتي تفوق نسبة 3 بالمائة من مجموع قضايا الجرائم سنويا. المجتمع يستهجن الظاهرة غريبة هي ظاهرة ضرب النساء لأزواجهن على مجتمعنا، رغم أن الواقع المعاش أصبح يثبت عكس ذلك، أين أصبحنا نسمع عن مثل هذه القضايا يوميا. فحسبما أظهر لنا سبر آراء مواطنين عن الظاهرة لاحظنا استهجانا ورفضا كبيرين لدى كل من تحدثنا إليهم، وفي ذات السياق يقول سيد أحمد:”ضرب المرأة للرجل أوالعكس ما هو إلا نتيجة للبعد عن القيم الإسلامية والإنسانية وقلة الوعي، فالمرأة أو الرجل يجب أن لا يبتعدا عن هدفهما في حياتهما الزوجية، فساعات الغضب تطفئها الاستعاذة بالله والصبر”. ومن جهتها تقول نجية:''ليس من الاحترام والأدب أن تضرب المرأة الرجل، فالمرأة الطبيعية لا تحب أن ترى زوجها ضعيف الشخصية، لذا فالاحترام من بين أهم ركائز العلاقة الزوجية الناجحة''. المعنيات تدافعن عن أنفسهن فيما اعتبرت الكثير من السيدات أن ضرب الزوجة للزوج لابد أن تكون له أسباب وعوامل تدفع به للظهور، حيث أكدت أغلب من مررن بهذه التجربة أن عنفهن في أغلب الأحيان يكون تعبيرا عن رفض إهمال الزوج و لامسؤوليته، فالمرأة تخشى غالبا انهيار أسرتها وضياع أبنائها، ما يضعف قدرتها على تحمل سلوكات الزوج الطالح عندما يتراكم الضغط، ما يحول صبرها إلى جملة من السلوكات العنيفة التي تجسد مقولة “الضغط يولد الانفجار”. وفي سياق متصل، تقول مريم المتابعة قضائيا من طرف زوجها بسبب عنفها تجاهه:”لم أتخيل يوما أنني قادرة على ضرب زوجي، غير أن إهماله الذي لا يمكن وصفه، وعملي دون توقف من أجل سد رمق أطفالي دون أن يؤنبه ضميره أويحس بذرة من المسؤولية أنفد صبري وجعلني أخرج عن طبيعتي الهادئة”. من جهتها، أوضحت نسيمة التي تعيش نفس التجربة في بيتها قائلة:”لم أظلم زوجي يوما، إلا بعد أن أدمن على معاقرة الخمر ولعب القمار، فقد نفد صبري من تصرفاته اللامسؤولة، لذا أصبحت أعنفه ويعنفني فصارت حياتنا جحيما، غير أنني لا أطيق الوقوف مكتوفة الأيدي أمامه دون أن أدافع عن نفسي''. المحامي خبابة:”الأمر لم يرق لأن يكون ظاهرة” نفى المحامي لدى مجلس قضاء الجزائر، عمار خبابة، أن تصل حالات تعنيف المرأة لزوجها إلى تصنيفها على أنها ظاهرة تحتاج الدراسة، غير أنه لم ينف وجودها على الواقع الذي تترجمه الحالات التي تعرض على القضاء باستمرار والتي عالج بنفسه عدد منها. غير أنه يقول إن هذه الحالات المعزولة التي لا يفصح عنها في أحيان عديدة لا تمكننا من تعميم الأمر أو تشخيصه. وأضاف محدثنا أن أغلب الرجال المتعرضين لهذه التصرفات العدوانية من زوجاتهن، هم إما من ضعفاء الشخصية وعديمي المسؤولية، والذين يوصلون بإهمالهم زوجاتهم للقيام بتصرفات غريبة ليست من طبيعتهن، مشيرا إلى أن للمسؤولية والقوامة تأثيرا بالغا على طبيعة التصرفات. أما الحالة الثانية والتي يقول إنها تشغل حيز هاما من الحالات، هي تعنيف المسنات لأزواجهن، حيث تفقدن مع التقدم في السن قدرتهن على الصبر وتحمل الطرف الآخر، منوها أن أكثر هذه العينة هن من اللاتي تعرضن للتعنيف من الطرف الآخر في ماضيهن. ومن جهته أكد المحامي حميد رمالي، أن تسلط المرأة راجع إلى أن هؤلاء النساء تحظين بمراكز سلطة تتيح لهن في أحيان عديدة الاعتداء على الزوج لفظيا، مشيرا في سياق ذي صلة إلى أن العنف الذي تمارسنه ضد الرجل يكون معنويا بالدرجة الأولى، على غرار الشتم والتجريح اللفظي، فهذا النوع من العنف حسب محدثنا لا يفصح الرجل عنه عادة إلا في حالات قليلة. الماضي القاسي وضعف شخصية الرجل.. أهم الأسباب لم تنف الأخصائية النفسانية، نسيمة ميغري، كون العنف الذي تمارسه بعض النساء ضد أزواجهن حالة غير عادية، غير أنها تعزو الأمر في أغلب الحالات إلى أن يكون رد فعل ضد عنف عانت منه هذه المرأة خلال فترة من فترات حياتها، خاصة إذا كان من طرف رجل، فالأمر يصبح بمثابة انتقام من الجنس الذكري عموما. وأشارت محدثتنا إلى أنه يمكن أن يفسر هذا النوع من العنف بالتركيبة النفسية للمرأة، حيث أن هذه الأخيرة التي تلقت معاملة قاسية في طفولتها أو أثناء مراهقتها تتأثر بمحيطها فتنتج بدورها عنفا تمارسه على كل من حولها، مضيفة في سياق متصل أن هذا التفسير يبقى نسبيا ولا يمكن تطبيقه على جميع الحالات. وفي حديثها عن ثاني أهم أسباب تجرأ المرأة على ضرب زوجها أو شتمه، ذكرت الدكتورة نسيمة ميغري ضعف شخصية الرجل، أو في حالات أخرى تحمل المرأة لمسؤولية البيت والأولاد بمفردها، فهذه المسؤولية - حسبها - قد تدفع المرأة إلى الطغيان واستعمال العنف، لأنها بذلك تكون قد تقلدت مكانة الرجل وقوامته. وتضيف أن المرأة في هذه الحالة تمارس العنف المعنوي والنفسي، وذلك تعبيرا منها عن رفضها لهذه الحالة، وتذمرا منها من كسل أو خمول الزوج الذي يزيد من حجم مسؤولياتها. بعض الحالات تكون دفاعا عن النفس أو انتقاما يعتبر الكثير من المختصين أن تعنيف المرأة للرجل راجع في أغلب الأحيان إلى ردة فعل طبيعية للعديد من النساء ضحايا العنف الأسري، مشيرين إلى أن تفشي هذه التصرفات العنيفة والأفعال المخالفة لطبيعتها الأنثوية المسالمة راجع في الكثير من الأحيان إلى مجموعة من التراكمات والإسقاطات التي تشبعت في نفس المرأة بسبب عدم مبالاة الزوج أو الأب، أين تلجأ إلى حماية نفسها والانتقام لها مهما كانت الوسيلة. وفي ذات السياق تقول رشيدة بشيش، أخصائية اجتماعية، إن العنف الصادر من المرأة ليس طبيعة فيها إنما هو بمثابة رد فعل تجاه ما تعرضت له من تجارب مؤلمة في الماضي. كما أكدت ذات المتحدثة أن إقدام المرأة على مثل هذه الأفعال يكون ناتجا في أغلب الأحيان إما عن ردة فعل تجاه السلوكات المتراكمة التي تحمل الكثير من سوء المعاملة، أو نتيجة استفزاز الزوج.. مؤكدة في ذات السياق أن العنف عندما يصل إلى أقصى درجاته يصبح عادة عند المرأة تكرسها من خلالها تعنيف من حولها بدءا بالزوج باعتباره الأقرب. كما لم تستثن الأستاذة بشيش الأطفال، حيث يتحول التصرف العدواني بمرور الوقت إلى وسيلة من وسائل التحكم، وبالتالي تحقيق التوازن من خلال التسلط، وانطلاقا من ذلك تعتقد أن العزوف عن القيام بمحاولات عنف سيؤدي إلى انتصار الطرف الآخر عليها وافتقاد القدرة على التحكم في زمام الأمور.