أظهر الفيديو الذي بثه موقع وكالة الأخبار الموريتانية المستقلة للديبلوماسيين الجزائريين المختطفين في مالي، أن الرهائن الثلاثة يتمتعون بصحة جيدة، وهو الأمر الذي قد يدخل شيئا من الطمأنينة في نفوس أهاليهم على الأقل، لكنه من جهة أخرى، أعاد طرح قضية هؤلاء الرهائن من جديد إعلاميا، وقد يجبر السلطات والخارجية الجزائرية على استئناف المفاوضات من أجل تحريرهم، بعد أن توقف الحديث عنهم من قبل الصحافة، ومن التصريحات الديبلوماسية في الآونة الأخيرة، وكأننا سلمنا أمرهم إلى مختطفيهم، خاصة وأن الجزائر ترفض نهائيا تلبية مطالب المختطفين بدفع الفدية، سواء كانت نقدية أو عينية، كأن يطالب في المقابل بإطلاق سراح إرهابيين، لأن الجزائر ما زالت تضغط على الدول لتجريم دفع الفدية، التي تعتبرها تشجيعا على مواصلة الإرهاب، وتؤثر على جهود تجفيف منابعه. وقد تكون الخرجة الإعلامية التي قامت بها ”الجهاد والتوحيد” التي تحتجز الديبلوماسيين الجزائريين، للتأثير على عائلات الرهائن الثلاثة، لتضغط بدورها على السلطات الجزائرية، حتى ترضخ إلى طلبات المختطفين، وتجبرها على دفع الفدية أو تطلق سراح بعض عناصرها في السجون الموريتانية أو الجزائرية، خاصة وأن الرهائن توجهوا بكلامهم إلى رئيس الجمهورية، ليس فقط لكونه رئيس الجمهورية، بل لخبرته الديبلوماسية. أمر آخر قد يكون وراء إخراج الفيديو في هذا التوقيت بالذات، وهو أن المختطفين الذين تكون آمالهم قد خابت في إمكانية إجبار السلطات الجزائرية على دفع الفدية، خاصة بعد مقتل (أو وفاة) الديبلوماسي الطاهر توات، نائب القنصل. يريدون استباق التدخل العسكري في مالي، والذي قد تستغله الجزائر لإرسال قوات عسكرية خارج الحدود لتتدخل وتطلق سراح الرهائن، أو تجبرهم الحرب على النزوح إلى جهة أخرى، بعيدا عن أرض المعركة، وبالتالي فإما سيحرمون من أموال الفدية التي هم في حاجة إليها، وهي في الحقيقة السبب الحقيقي وراء ما يسمى بالجهاد، تحت أي مسمى، فالذريعة لكل ما يحدث في الساحل هو الكسب، وليس شيئا آخر، كما أن بقاء الرهائن في حوزتهم، سيثقل تحركاتهم بعد أن صارت فاتورة الحفاظ على حياتهم مكلفة، من حيث الغذاء وتوفير الحماية، في بيئة صحراوية صعبة، خاصة وأن هناك شكوكا حامت حول السبب الحقيقي لوفاة نائب القنصل الطاهر توات، والتي تكون راجعة لداء الملاريا وليست تصفية. الأمل ضئيل إذن في أن الجزائر ستدفع الفدية وستخالف القاعدة التي تناضل من أجل فرضها على الدول، حتى وإن كانت هناك تقارير تفيد بأن كل الدول تدفع الفدية، ومنها التقرير الذي نشرته ”الفجر” أمس، للنائب الاشتراكي الفرنسي ”فرانسوا لونكل”، الذي أقر بأن جميع الحكومات الغربية تدفع الفدية للجماعات المسلحة، وإن كان استثنى بريطانيا من ذلك، خاصة وأن الجزائر أدركت بحكم تجربتها مع الإرهاب قبل غيرها أن الظاهرة هي عملية تجارية بحتة، ولا علاقة لها بالجهاد، وأن أي دفع للفدية معناه التشجيع على استمرار ظاهرة الاختطاف. فالجزائر ولكي تتفاوض مع المختطفين من منطق قوة، تعتبر دائما بأن الرهائن في عداد المتوفين، لكنها تواصل من جهة أخرى المفاوضات بالوساطات وخارج أطر دفع الفدية؟!