يمر المرء في حيرة عندما يسمع أو يقرأ في معرض تناولهم للأزمة السورية، أشخاصا أو ممثلين عن أحزاب ومنظمات سياسية أو ناطقين باسم حكومات غربية، يستحضرون مسألة الممارسة الديمقراطية المفقودة في سوريا، ليبرروا ”صداقتهم” للشعب السوري، ودعمهم ”لثورته” ضد القيود التي تفرضها عليه ”دولة ظالمة وطغمة فاسدة”. لا سيما أن هجمات ”الثوار” خلال العامين الماضيين، ضد الأفراد والمرافق الحيوية العامة فضلا عن استهداف أسس وركائز دعائم الكيان الوطني نفسه، لا تبشّر بقرب فرحة التحرر من الطغيان ولا بالبروء من سوء الأخلاق. أما عن حرص هؤلاء ”الأصدقاء” على تحرير أرض الجولان المحتلة والتصدي لمقاومة المشاريع الإستعمارية وبخاصة الإستعمار الإستيطاني الصهيوني فحدث. عودة على بدء لعل ذلك يوضّح الأمور، ما هو الباعث للحماسة ضد الدولة السورية التي يبديها حكام الإمارات والممالك المؤتلفة في ما يسمى مجلس التعاون الخليجي؟. ما هي أسباب الحرب التي تشنها هذه الأخيرة على سورية، هل هي حرب دفاعية أم هي هجومية؟ يدهش المراقب دهشا يبلغ حد الذهول، عندما لا يجد في جوقة الكتاب والمفكرين الذين انضموا إلى وسائل الإعلام والدعاية الخليجية والغربية، للمساهمة في حملات التشهير ضد الحكم في سورية، كاتبا أو مفكرا ارتأى أن العقلانية والجدية والمصداقية، تقتضي الإجابة على هذه التساؤلات احتراما للمتلقي ودليلا على عدم الإستخفاف به. ألا يحق لهذا المراقب أن يستغرب إقدام أمير قطر على إرسال جيشه إلى ليبيا من أجل تغيير نظام الحكم وإرساء نظام يتيح لليبيين المشاركة الديمقراطية في إدارة شؤونهم بما هم جمع وطني متماسك. ألا يحق له أيضا أن يستعجب من دور أميرَي قطر والأمير السعودي فيصل في الإستيلاء على جامعة الدول العربية واستخدامها في مجلس الأمن الدولي من أجل استصدار قرارات تشرعن تدخل قوات الحلف الأطلسي ضد سوريا مثلما تدخلت هذه الأخيرة في ليبيا. وهل من شك في أن هؤلاء الأمراء يقومون بالتعاون مع الحكومة التركية الحالية، فيحشدون المرتزقة وويزودونهم بالسلاح ويدفعون لهم أجورهم ثم يرسلونهم للقتال في سوريا إلى جانب المتمردين؟. السؤال الجوهري في هذا السياق، هو من وجهة نظري، عن المشترك بين تركيا بقيادة حكومة إسلامية من جهة وبين أمراء الخليج من جهة ثانية. وكيف أن هذا المشترك يغلب على العلاقة التي من المفترض أنها تربط بين هؤلاء الأخيرين والحكومة السورية؟ يمكن القول في إطار مداورة هذا الموضوع في الذهن، أن الحكومة التركية الحالية أيقنت أن باب الاتحاد الأوروبي موصدٌ نهائيا بوجهها. أغلب الظن أن ما استخلصته من هذا الرفض، هو أن المجال العسكري، أي حلف الناتو، علما أن العلاقة بدولة إسرائيل هي جزء منه، هو المجال الوحيد الذي يسمح لها بإدامة نوع من الإنتماء إلى الغرب والحصول على مردود منه مقابل الإستمرار في خدمته حيثما تقتضي حاجته. وإذا كانت المقارنة لا تستقيم بين قطر من ناحية وبين تركيا من ناحية أخرى، فإن ذلك يختلف عندما يتعلق الأمر بمجلس التعاون الخليجي، الذي يضم إلى جانب قطر مملكة السعوديين، الإمارات، البحرين، الكويت وعمان. لاننسى أن هذا المجلس ناقش في وقت من الأوقات احتمالية ضم الأردن والمغرب إلى عضويته، ومهما يكن فإن المظاهر جميعها توحي بوجود محاولة لجعل هذا المجلس ذي كيانِ دولةٍ واحدة، على الأقل في المجالين العسكري والسياسي الخارجي. هذا يحتاج بالطبع إلى الإشارة توخيا للدقة والوضوح، إلى النفوذ الأميركي الكبير على أعضائه، وبخاصة في رسم الأدوار التي توكل إليهم في المجالين المذكورين. ما أود قوله إذن، هو أنه يجب النظر إلى مجلس التعاون، بما هو ”دولة ” يعترف بها الأمريكيون والأوروبيون، بما هي دولة ”إسلامية” تابعة لهم. تلزم الملاحظة هنا، أن أمراء الخليج ينطلقون في أداء دورهم في ”الثورات” العربية، من ”مشترك إسلامي” وليس بالقطع استجابة لواجب التضامن العربي في مواجهة المشروع الإستعماري الأميركي الإسرائيلي، اللّهم إلا إذا كان استلحاقهم بجامعة الدول العربية وأمينها ضمانة للعروبة. من البديهي أن ما أعنيه ”بالمشترك الإسلامي” هو الإسلام السياسي، أو بالأحرى استخدام الإسلام في السياسة. بمعنى آخر لست بصدد مقاربة الإسلام كدين، الرأي عندي في هذا الموضوع هو أن مرجع كل مسلم هو في الكتاب الذي جاء به محمد، يتأمل في آياته ويتهذب بتعاليمة ويتدرج بهديه تصعدا روحانيا نحو الإيمان الكامل والصادق، لأقول إن هذا الإسلام السياسي لم يمنع الحكومات والجهات التي تغشت به، من معاونة المستعمرين، وبخاصة المستعمرين الإسرائيليين، يحسن التذكير في هذا السياق، بالشاهنشاه الإيراني، وبالحكومة التركية الإسلامية الحالية والباكستانية، فضلا عن المواقف الضبابية للحكومات الإسلامية في تونس وليبيا، والتزام حكومة الإخوان المصريين باتفاقيات حسن الجوار مع إسرائيل، واختيار حركة حماس الإخوانية مؤخرا للمنهج المصري. لا حرج في القول، إن مجلس التعاون الخليجي يسلك المنهج نفسه، ويشجع الآخرين ويغرّهم على أتباعه، كذبا باسم ” الإسلام”، واستنادا إلى أن المشروع الإستعماري الصهيوني هو نقيض حركة التحررالعربية، ينبني عليه أن من مصلحة المجلس الخليجي المذكور إلغاء هذه الحركة الأخيرة، وفعل كل ما يلزم لكي لا تتوفر ظروف أنبعاثها من جديد، ومن نافلة القول إن للمستعمرين مصلحة في ذلك أيضا، وبتعبير أكثر صراحة ووضوحا أن غاية هذا المجلس هو القضاء التام على الهوية العربية، وأفضل وسيلة لتحقيق ذلك، هو السيطرة على البيئة السورية الشامية التي ولدتها واحتضنتها. من المحتمل جدا، أن تضخم دور أمراء النفطو الغاز في سيرورة ”الثورات” العربية، وبخاصة في سوريا، مرده إلى كون مجلس التعاون ككيان، أداة ملائمة لمصادرة ليس فقط ”الإسلام” ولكن ”العروبة” أيضا. بمعنى أن هؤلاء الأمراء يدّعون بأنهم أئمة المسلمين وقادة العرب في آن، ضد الحقيقة والمنطق. وجملة القول في هذا الموضوع، ليس أن الحكم في سوريا لا مآخذ عليه وليس أن لا مبرر لوجود معارضة ضد سياساته الخاطئة، ولكن أن تيارات إسلامية سورية بادرت إلى الحراك، في توقيت حدده المستعمرون، واستنصرت بمجلس التعاون الخليجي الذي يتوهم أمراؤه أن باستطاعتهم شراء دعم جماعات ضغط دولية ، لمساعدتهم على إنشاء دولة تحاكي دولة إسرائيل على حساب سكان بلاد الشام. ”إن الزرازير لما قام قائمها.. توهمت أنها صارت شواهينا”. خليل قانصو