فكرتم يوما في الأشخاص الذين يملكون سلطة الرقابة؟ أولئك الذين من حقهم أن يقولوا ”نعم” لعمل و”لا” لعمل آخر، الذين من حقهم وضع الخطوط الحمراء والبرتقالية والخضراء أيضا اولئك الذين بإمكانهم زرع علامات ”قف” في منعطف صغير، أو فتح طريق سيار بحجم ”مشروع القرن”، قد نصفهم غيرة منا - طبعا - أنهم ضد الحرية، والديموقراطية أنهم سيوف على رقابنا، وحواجز في طريق الابداع و..و.. كم نحن ظالمون ولا نرى الأشياء على حقيقتها، لو فكرنا قليلا في هؤلاء الأشخاص سنجدهم أعلم منا جميعا، كيف لا وهم الذين يصلهم ما لا يصلنا أبدا، إنهم صندوق أسرار لأجمل الاشياء أو لأبشعها حتى، المهم أنهم يعرفون أكثر منا. عندما سئل المخرج مروان حامد عن فيلمه القصير ”لي لي” المأخوذ عن قصة يوسف إدريس ”أكان عليك أن تضيئي هكذا يا لي لي”، قال بمرارة أن ”لي لي” التي أراد لن تأتي وأن الرقابة جعلت منها مسخا”. في الحقيقة كانت ”لي لي” مروان حامد تحتاج لألف واط كي يخرج منها شعاع صغير من أضواء ”لي لي. يوسف إدريس كيف تراها كانت ستكون لولا مقص الرقابة ؟ أما المخرجة رندة الشهال فقد كلفتها الرقابة 46 دقيقة من فيلمها الجميل ”متحضرات”، أليس محظوظا من يستأثر ب 46 دقيقة لا يشاركه فيها أحد، من يفهم الأشياء كما كانت عليها أن تكون كما اُريد لها أن تُقال، أما الروائية سلوى النعيمي فما زالت إلى الآن تتحسر على الذي حذف من روايتها ”برهان العسل”. في كل مرة أصادف تلك الرواية أتساءل إلى أي مدى وصلت جرأة النعيمي إذا كانت برهان العسل التي وصلتنا صنفت كعمل ممنوع لمن هم دون السن القانونية ومنعت نهائيا في الكثير من الدول. في حديثي مؤخرا مع روائية جزائرية مقيمة بكندا، تكلمت بخيبة كبيرة عن الخطوط والمحظورات التي فرضتها دار النشر على روايتها التي تعرضت فيها للجوانب المظلمة من الثورة الجزائرية - لا تستغربوا ثمة رقابة حتى في كندا- قالت إنها شعرت بأنها تعرضت للبتر وأن عملها لم يكن تماما كما أرادته وأنها لن ترتاح إلى أن تكتب ما أرادت كتابته حتى وإن كلفها الأمر بضع روايات من حسنات الرقابة، إنها تعلمنا كيف نلتف على الفكرة بذكاء، كيف نعمل أكثر، كيف نسجن أنفسنا دائما في الأعمال التي رفضت. أليس للرقابة إذن فضل ؟ في قصة لكاتب عراقي يكون فيها البطل رقيبا يكتشف يوما براعته في الكتابة وأنه أحسن من كل الذين قرأهم طيلة حياته حتى أنه راهن نفسه على أنه بإمكان أعماله أن تنافس على جائزة نوبل وراح يحلم أنه سيكون ثاني عربي يحوز على الجائزة بعد نجيب محفوظ، سيحفظ الجميع اسمه سيصير نجما بعد أن قضى حياته وراء مكتبه، لكن أعماله لا تنشر ولا يقرأها مخلوق لأنه كلما كتب شيئا عاد وراقبه فمنعه، وعاد ليكتب أمرا آخر. لو أردتم رأيي أنا مع كل الرقابات أتمنى أن يراقبوا كل كتب السينما والتلفزيون، أن يراقبوا التليفون أيضا. يا رب كثّر من مراقبينا. تحيا الرقابة فوق كل أرض وتحت أي سماء .