يتحدث لخضر سعداوي، الشاعر ورئيس فرع اتحاد الكتاب ب ”تقرت” عن وضع المشهد الأدبي الجزائري انطلاقا من الإقصاء، المركزية وضعف النقد الذي لم يخرج على حد قوله من ”أسوار الجامعة”، وكذا عن بعض النقاط الأخرى المهمة التي ترتبط بتفعيل الحركية الأدبية كتنظيم مسابقات تضاهي تلك المنظمة في العالم بهدف إعادة ”الحياة” للمشهد. في خضم تواجد كبار الكتّاب والمبدعين الشباب في مجال الرواية والأدب الجزائري بصفة عامة، كيف هو حال الخطاب الروائي الجزائري؟ بحكم تجربتي المتواضعة، يبدو الخطاب الروائي الجزائري يميل أو ينزع إلى حد بعيد إلى التجريب والبحث ربما عن تشكيل خاص بكل روائي، فهذا الخطاب التجريبي إن صحّ التعبير منبعه تعدد قراءات الروائيين الجزائريين بما فيهم المبدعون الشباب، وكذا اطّلاعهم على مختلف التجارب العالمية، كما أنّ هذه القراءات تتسم بالتعدد، بحيث كل روائي يبحث عن وضع بصمة خاصة ويسعى لشق طريقه الخاص به، فيجد نفسه يدور في التجريب إلى أن يستقر في النهاية على شاكلة معينة تخصه، وفي هذا الصدد أعتقد بأنّ السنوات المقبلة ستحمل بصمة جزائرية قوية في الرواية العالمية والشعر على حد السواء. يكثر الحديث مؤخرا، عن سيطرة السلبية في الرواية الجزائرية وصانعيها؟ كيف هو بالتحديد واقع وراهن الرواية الجزائرية؟ ربما حمل هذا الوضع بعض السلبيات، لكن بدون مجاملة أقول بأنّ الرواية الجزائرية اليوم وصلت إلى العالمية بحكم الثراء والتنوع الذي بدا عليها في السنوات الأخيرة وكذا وجود بعض الأعمال لكتاب جزائريين استطاعت تحقيق صدى نقدي وإبداعي كبيرين، على غرار ما حققته مؤلفات الروائي واسيني لعرج وأحلام مستغانمي، بالإضافة إلى عدة أسماء تعيش هنا في الجزائر، تمكنت من صنع نتائج طيبة وملموسة، لذلك لا ينبغي التشاؤم بل على العكس يجب التفاؤل بمستقبل الرواية الجزائرية، انطلاقا من كمّ الإنتاج الموجود الآن والذي قدر بالمئات إن لم أقل بالآلاف، شريطة فقط استفادته لاحقا من غربلة نقدية قد تكون هي الطريق الذي يضع الأعمال كلها في مسارها الصحيح. يقابل ما ذكرته عن تحقيق كتابات جزائرية لصدى واسع، إقصاء ”مرّ” لمؤلفات الروائيين الجزائريين في بعض المسابقات المشهورة على غرار إقصاء الزاوي وواسيني في جائزة ”البوكر” العالمية الخاصة بالرواية العربية، ما قولك؟ حسب اعتقادي الشخصي وأنا واحد من الذين لم يكونوا متفائلين بتتويج أدبي جزائري في هذه المسابقة بالذات باعتبار عدة معايير، حيث كما أظن تم تصنيفهم فقط من أجل الإثراء وتلوين الأسماء وملئ القائمة لا أكثر ولا أقل، فهذه المسابقة تخضع لمعايير معينة حسب المؤسسات التي تنظمها، وبالتالي إقصاء الرواية الجزائرية ليس دليلا على أنها لا ترقى إلى مستوى إبداعي معين في شتى نواحيها، لكن بالعكس تماما فالمعايير والمقاييس التي تضعها هذه المؤسسات هي التي عملت بشكل سلبي إن لم يكن متعمدا إقصاء الكتاب الجزائريين، فالروايات الجزائرية تظل ناجحة، ويقرأها الجمهور في العالم العربي والعالم عموما، والدليل على ذلك ما قلته سابقا عن روايات واسيني لعرج المطلوبة بشكل أكبر في الوطن العربي، كما أنها فهي تترجم وتدرس بعديد البلدان العربية، غير أنّه ما يجب الإشارة إليه أنّه ما أحوجنا هنا في الجزائر إلى تنظيم جوائز بهذا الحجم تعادل التي تنظم هناك سواء في بلدان العالم العربي أو الغربي، لأنّ الجزائر ببساطة بلد إبداعي وثري في هذا المجال، فمن المفروض أن يكون عندنا مسابقات تضاهي الأخريات لأننا لسنا أقلّ من غيرنا، فالحقيقة أنه نتوفر على نقّاد ومبدعين وإمكانيات مادية وهو ما يمكننا من تنظيم مثل هذه التظاهرات الأدبية بهدف التعريف بإنتاجنا الأدبي وتقديمه للآخر. أشرت إلى وجود نقّاد كثر، إلى أي مدى هو فعّال نقد الأعمال الأدبية الجزائرية في الرواية والشعر؟ حقيقة حجم الأعمال أكثر من حجم النقد بكثير وما يمارس من نقد حالي هو ما يقدم على مستوى الجامعات في شكل رسائل جامعية ومذكرات وغيرها، بينما ما ينتج خارج إطار الجامعة لا يعدو كونه عبارة عن تجارب ذاتية الغاية من بعضها هو نقد أعمال الأصدقاء فحسب، أي بمعنى آخر يرتبط النقد في مثل هذه الحالات بصداقة الكتاب والعلاقات الشخصية التي تجمعهم، كما أنه تقريبا يمثل بشكل عام خدمة شخصية تتعلق بالنشر والطبع لصديق معين، وهذه تعد نقطة سلبية يجب مراجعتها لأنها ترجع بالأساس إلى نقص عمليات التشجيع التي أفرزتها السياسة الثقافية المتردية، من أجل تنشيط جميع الكتابات التي أنتجت في شتى الألوان الأدبية وتفعيل الحركية الثقافية على مستوى الإنتاج، التي أتمنى أن يؤكدها النقد. ما هو السبيل الكفيل لإخراج النقد من أسوار الجامعة ومن العلاقة الشخصية؟ يتعلق بضرورة إخراج هذه المذكرات والأعمال النقدية الموجودة في أدراج ورفوف المكتبات الجامعية والتي لم تر النور ولم تخرج للقراء والمهتمين والمبدعين، وأؤكد في هذا السياق، أنّه توجد بعض الكتابات النقدية الموجودة حاليا بالجامعات من شأنها إحداث خلخلة في الأدب الجزائري والعربي، لذا يجب العمل على طبعها ونشرها وتوزيعها في أقرب الآجال، فحسب علمي كل اللجان التي ناقشت رسائل النقد الجامعية توصي في ناهية تقاريرها على طبعها، إلا أنّه للأسف يحدث العكس ولا تطبق تلك القرارات والتوصيات في نهاية المطاف، فحبذا لو تطبع لأنها تدرس الأدب الجزائري وما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه الدراسات حتى نتعمق في تحليل وفهم الأدب من مختلف جوانبه. يعاب كثيرا على اتحاد الكتاب الجزائريين أنّه لا يقوم بدوره كما ينبغي في الساحة الأدبية كما هو المشكل مطروح في الدراسات النقدية المتواجدة بالجامعة؟ بصراحة ربما لست مخولا لأن أجيب في مكان غيري، لذا أتحدث من خلال تجربتي واطلاعي الخاص أيضا، فأولا لا يمكنني الحديث عن هيئة اتحاد الكتاب كهيئة وطنية رغم أنني جزء منها كممثل لفرعه في ”تقرت” بورڤلة، وكواحد من القراء والمهتمين بالجانب الأدبي في الجزائر، ولكن ما أستطيع قوله هو أن طموحنا دائما أكبر لتقوم هذه الهيئة بدورها الفعلي في الساحة الأدبية. هل تعتقد بأنّ المركزية ساهمت في ”قتل” و”تغييب” مبدعي الجنوب بصفة عامة وبمنطقتكم بشكل خاص؟ هذا الأمر ممّا لا نقاش فيه، فلا نقول قتل المبدع ولكن لعدم وصول صوته الذي يغيب دوما، لأنّ المبدع دائما يبدع في مجاله فهو يكتب باستمرار، فالممارسات السابقة على مستوى بعض الهيئات الثقافية قد عملت بشكل سلبي على تراجع دوره وفعالياته، لكن حاليا نلمس تغير ملحوظ وحضورنا اليوم إلى العاصمة دليل واضح على تغير الرؤية، حيث نتمنى دعم المبدع في هذه المناطق بشكل أكبر، بالمقابل ساهم الجانب الإعلامي مؤخرا في تحريك الساحة الإعلامية والثقافية بالمنطقة من خلال إنشاء مطبعة بمدينة ورڤلة، وهو ما جعلنا نستفيد ثقافيا مثل غيرنا من الولايات الشمال. في ظل الوضع الحالي، هل أصبح المبدع الجزائري يقدم أعمالا عبثية أي بدون روح وهدف؟ العمل الإبداعي في الحقيقة، يدخل في إطار التجريب، فلا أدري ربما تجربة الكاتب والمبدع ترتبط بالمسيرة الأدبية، فكل واحد يتطور ويتحسن، باعتبار النقلات الإبداعية المختلفة المتوفرة حاليا، فمن كان يكتب لينخرط في عالم الرواية، والعكس تماما وغيرها من الأمور التي برزت خلال الآونة الأخيرة في المبدع الجزائري. وعلى حد تقديري ما يقال عن بعض الكتابات العبثية إنها بلا روح ولا هدف فتبقى مجرد كتابات نابعة من البحث عن الذات والإبداع وهي جزء من المشهد الثقافي بصفة عامة. إلى ما يرجع عدم وجود حركية ثقافية فعالة بالجزائر؟ أعتقد بأنّ هناك مخاض انطلاقا من التحول الذي تعرفه الساحة التي كانت سابقا تحتكرها أسماء معينة، إعلاميا وأدبيا في كل تظاهرة وطنية أو دولية تسجل حضورها بشكل مستمر ومستقر، حيث كان المبدع الشاب لا يحلم بأن يتواجد هناك، سواء في معرض أدبي وطني أو دولي، بينما الواقع الحالي وهذا ليس إطراء فنحن مثلا معنا شبان هم أعضاء في اتحاد الكتاب الجزائريين بعضهم صدر له نصوص شعرية، لذلك أرى بأن الشباب يستعيد موقعه ويتموقع في الساحة الإبداعية، في محاولة منه لإيجاد مكان في الساحة يسمع صوته فيه، كما لا ننسى ما حدث من تكنولوجيا في الإعلام وهذا الدافع ساعدهم كثيرا، فلم يعد بمقدور أحد أن يقصي أحد فالفضاء متاح للجميع والكل يستطيع أن يبلغ صوته ورسالته، والدليل ثلة من الأسماء قدمتها مواقع الأدب على شبكة الأنترنت تمكنت من تجاوز الأسماء المكرسة تقليديا وكلاسيكيا.