استطاعت غادة عبد العال، الصيدلانية.. في عمر ال34.. أن تصبح كاتبة مشهورة انطلاقا من مدونتها في الفايسبوك عام 2006، وأن تنشر كتابا عام 2008، وأن يصور كتابها مسلسلا تلفزيونيا ينال إعجابا كبيرا لدى الجمهور.. مسلسل ”عايزة أتجوز” الذي تقول عنه: ”كان الأمر في البداية مجرد (فضفضة) لكنه ظل يتطور حتى تم نشر مدونتي”. التقيتها في المغرب في ندوة نظمتها مؤسسة ”أنا ليندا” ”Anna Linda”، وكانت قد تمت دعوتها للمؤتمر لكونها أشهر مدونة في الفايسبوك حول قضايا المرأة المصرية ولكونها تتمتع بجرأة خارقة في طرح تناقض الرؤى العربية في قضية الزواج، وما يشكله المجتمع من صورة نمطية باهتة عن النساء والتي تنمط بها، في الغالب، تلك المرأة التي تعدت سن الزواج الذي يحدد لها في المجتمع العربي؟ بعد أن عرفتها اطلعت على المدونة طبعا من خلال الأنترنت، خاصة وأن مجلة فرنسية طلبت مني إجراء حوار معها لينشر بمناسبة مارسيليا عاصمة للثقافة المتوسطية، ولما كنت قد تابعت المدونة بعض الشيء من خلال عرضها كمسلسل في التلفزيون، ورغم أني وجدت فيها كثيرا من المبالغة، واعتبرتها مدونة جد شخصية، وتعبر عن معاناة شخصية..؟ إلا أن الإجابة التي ردت بها عليّ الكاتبة جعلتني أعاود قراءة المدونة من جديد. تقول غادة: ”في البدء كنت أكتب بشكل شخصي، ثم تطور الأمر بعد اكتشافي للإقبال الشديد على قراءة مدونتي من القراء ورغبتهم في مناقشة مسألة (الزواج) في مصر من جوانب كثيرة، وقتها تحول الأمر بالنسبة لي إلى رسالة بل ومسؤولية لإيصال صوت الفتاة المصرية التي يلومها الجميع لتأخرها في الزواج، بينما كانت الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السيئة، هي من يتسبب في غالب الأحيان، في تعطيل مشاريع الزواج أو تؤخر إقبال الرجال على السعي إليه، ومع ذلك لا يزال المجتمع يضع اللوم على الفتاة وحدها”. وعن سؤالي لها عما إذا كانت كتابتها تعبيرا عن واقع العنوسة في الوطن العربي، أو إن كانت تعتقد بأنها ستغير شيئا ما من واقع الفتاة العربية، أو بالأحرى ستعيد معالجة عقدة الرجل العربي؟ أجابتني ببساطة ”لم أستخدم أبدا كلمة (عنوسة) فهي مجرد إهانة للمرأة، المقصود بها وصم الفتاة بشيء لا يد لها فيه.. لأن مشكلة المرأة في كل مكان تكمن في أن من هم حولها يرون فوقها تاريخ انتهاء لصلاحيتها.. ومدونتي وكتابي شجعا القارئات على أن ينظرن لأنفسهن على أنهن كيان كامل لا ينتظر أحدا ليكمله.. ولكنني، مع ذلك، أعتقد أن هذا الأمر سيحتاج لسنوات طويلة ومجهود شاق لتغيير العقليات الشرقية المتمسكة بالنظرة الأحادية والتقاليد البالية في تقييم المرأة”. وعن سؤالي لها إن كان ما كتبته، سيلعب دورا في معالجة صورة المرأة العربية أم صورة الرجل العربي..؟ أجابتني وهي تبتسم ”ما كتبته أتمنى أن يجعل كلا منهما ينظر للآخر نظرة مختلفة.. ليبدأ كل منهما في التعامل مع الآخر كشريك حياة.. لا يقتصر وجوده على كونه مكملا لخانة فارغة في البطاقة وليس فقط لإرضاء المجتمع.. وأعتقد أن نجاح الكتاب بعد طبعه، نجاح يعلن عن تبني طرحي بل ويتجاوب معه، فالكتاب نجح نجاحا ساحقا، فهو في طبعته العاشرة الآن، وتمت ترجمته إلى خمس (5) لغات.. والقراء من الجنسين - إناث وذكور - تقبلوا ما فيه بترحاب شديد وحفاوة لم أكن أتوقعها.. والمسلسل أيضا كان من أنجح أعمال 2010.. حيث فاز بجوائز مهرجان القاهرة للإعلام العربي في الإخراج والتمثيل، وفزت عنه بجائزة أفضل سيناريو لمسلسل كوميدي.. وخلصت قمة استطلاعات الرأي إلى اعتباره أكثر الأعمال مشاهدة وقتها. وأنا وإن أردت أن أناقش هذا الموضوع معكم، فلعدة أسباب أهمها عجزي عن فهم وتحديد الفرق في شخوص الجنسين في المنطقة العربية، فالخوض في العلاقة الجنسية بين الجنسين أمر مسكوت عنه (طابوه) في علاقة الرجل الشرقي بالمرأة الشرقية..؟ وهو ما يجعلنا نعيش أحداثا شاذة وغير مفهومة رغم الادعاء بأننا شعوب مسلمة ومحافظة و.. و.. فمن تحرش جنسي هز المصريات، حتى من هن محجبات ومنقبات مما يدحض فكرة السفور التي يدعي المرضى جنسيا بأنها هي السبب، واغتصاب واختطاف الفتيات من كل الأعمار ويدحضها في ذلك اغتصاب الفتيات الصغيرات اللائي لا يحسنّ حتى التفريق بين الجنسين..؟ لذلك فإن افتراض أن تتزوج الفتاة العربية قبل سن محدد يختلف من مكان لآخر، لكن كل الوقائع تثبت أن كل الأماكن تتفق على أن المرأة إن فاتها سن الزواج وجب عليها أن تنطوي وتنزوي وكأنها ارتكبت جرما أو كأن وجودها قد أصبح بلا فائدة.. ونسوا أن الله هو من خلقها ونسوا وهم المؤمنون أنه المكتوب على الجبين..؟ مفارقات عديدة تطرح على الفتاة العربية مهما كانت متعلمة، ومهما كان دورها في الإنفاق على عائلتها، ومهما كانت ثقافتها ومنصبها الاجتماعي في العمل تعاني من مشكلة الثقة، لسبب بسيط وهو أن المجتمع قاهر لها، ولذلك فعليها أن تكون أكثر ذكاءً وحزماً في اختياراتها، فهناك دائما طرق غير تقليدية يمكنها سلوكها لتحيا الحياة التي تنشدها إن لم تساعدها الظروف على أن تجد شريك الحياة.. ربما يكون الدور الخاطئ لفهم الدين، وربما تكون قبضة التقاليد تجعل الأمر أكثر صعوبة، فيحمل المرأة كل المثالب والسيئات في الحياة دون الرجل الذي يتحمل هو الآخر مسؤوليته الكبرى في فهم الحياة المجتمعية الواقعية وليست الخيالية، لكن بيدها أن تدخل الحياة بفهمها وقناعاتها، خاصة وأن الحياة لها جوانبها المتعددة التي يمكنها أن تتعامل معها، ولا يجب أن تحصرها في قالب واحد إن لم يناسبنا أعلنا انتهاء وجودنا على هذه الأرض.