"أعتقد أننا اليوم مطالبون بمنع الأحزاب المؤسسة على قاعدة دينية من النشاط السياسي" تتطرق الكاتبة الفرانكو جزائرية، جميلة بن حبيب، في هذا الحوار عن آخر ما توجت به مسارها الإبداعي وخصصته للحديث عن تحديات المرأة العربية في ظل موجات الربيع العربي من خلال كتابها الذي وسمته ب ”خريف النساء العربيات”، الذي طرحت فيه فكرة اللائكية كضامن للتعايش بين المجتمعات ودافع للانتصار، وتعد بن حبيب المقيمة منذ سنوات عديدة بكندا، آخر كاتبة حازت على الجائزة الدولية للعلمانية سنة 2012 عن كتابها المثير للجدل ”حياتي ضد القرآن”، الصادر عن منشورات كوكو بالعاصمة سنة 2010 وصدر قبل ذلك بفرنسا.. نبدأ حديثنا بالعودة إلى عنوان كتابك ”حياتي ضد القرآن”، ما هي الترجمة التي تراها جميلة بن حبيب مناسبة وتعبر عما أرادت قوله ضمن مضمون هذا الإصدار بالنظر إلى اختلاف المصطلحات التي صاحبت الترجمة؟ أعتقد أنه لا يمكننا ترجمة جملة معينة ترجمة أدبية بحذافيرها، لذلك فكرة العنوان كانت باللعب بكلمتي القرآن والتيار، ولكنني شخصيا أردت القول إنني ضد التيار بالتفكير السائد اليوم. ما الذي أرادت جميلة بن حبيب قوله من خلال هذا الكتاب؟ تقصدين ”حياتي ضد التيار”، أردت من خلاله تقاسم خبرتي الخاصة التي كانت شخصية، والتي عشتها في بدايات التسعينات هنا بالجزائر مع صعود التيار الإسلامي السياسي، ولم تكن الفكرة إشراك الغير في تجربتي وإنما أيضا للتفكير في العديد من الإشكاليات والتساؤلات التي طالما راودتني، دون الابتعاد عن جوهر الموضوع المتعلق بالإسلام السياسي الذي تغذيه فكرة رئيسية تطرح سؤالا هاما مفاده لماذا وكيف وصل التيار الإسلامي إلى فرض نفسه داخل المجتمع؟ من هو الجمهور المستهدف من خلال ”حياتي ضد التيار”، هل هو القارئ الجزائري أم الأوروبي على اعتبار أنك تعايشت مع كليهما؟ في الواقع استهدفت من خلال كتابي جمهورا واسعا على اختلاف الثقافات بداية بالقارئ الكندي ثم الفرنسي، باعتبار أن الكتاب صدر في نفس الفترة بكلا البلدين ثم في الجزائر، لأنني أعتبر هذه التجربة عالمية وتستحق أن تعرف في جميع البلدان، لأن هذه مواجهة حاسمة بين من جهة التيار حداثي وبين تيار آخر إسلامي ظلامي فهي قصة عالمية تستدعي أن تعرف تفاصيلها في عديد نقاط العالم. تجتاح في الآونة الأخيرة موجة الربيع العربي عددا من دول المنطقة أو ما يعرف بالربيع العربي الذي أفرز ما يعرف بالصناعة الإسلامية، هل تعتقدين أن هذه الصناعة جاءت نتيجة خلفية معينة أو يد خفية تعمل على تحريكها، أم أن ما يحدث اليوم هو إفرازات طبيعية لتراكمات سابقة تولدت جراء تدني الأوضاع الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية في هذه الدول؟ في الواقع أول شيء يمكن قوله هو إن الإسلام السياسي ليس صناعة خاصة بثقافة محددة أو عقيدة معينة، لأن الإسلام السياسي هو إفراز تاريخي رافض للحوار، وهذا معناه أنه مقولب أو مشكل من قبل أطراف سياسية، تاريخية، اقتصادية، اجتماعية وثقافية، إذن هي مجموعة من العوامل التي تخلق وتشجع ظهور هذا التيار الإسلامي، والعوامل التي تدفع بصعود وتطور التيار الإسلامي توجد بالدرجة الأولى في المجتمعات العربية والإسلامية، أكثر من تواجدها في المجتمعات الغربية، لذلك تجدنا نتساءل لماذا تتمكن التيارات الإسلامية من أجل الاستيلاء والسيطرة على الجماعات عن طريق الانتخابات في كل مرة تحدث فيها حراكات اجتماعية هامة تقتحم أو زعزعت واهتزت لها المجتمعات العربية، وهذا سؤال جاد جدا أعتقد أن الإجابة عنه هي أنه وحدهم الإسلاميون يملكون تنظيما سياسيا صحيحا ولديهم تمويل كبير وموجه على المستوى العالمي، وهو في النهاية حراك سياسي تمكن من فرض نفسه على الساحة العالمية، يدعمه تمويل مالي كبير وعلاقات متشعبة وبتواطئ العديد من الأطراف الموجودة سواء على مستوى الأنظمة أو على مستوى المجتمعات المدنية أو قادة الرأي، وكل هذه الأسئلة في الحقيقة تشغل اهتمامي. هل تعتقدين أن الوطن العربي أو الإسلامي، اليوم، يعيش مع جماعات متطرفة ثتير قلق الغرب لدرجة أنه أصبح يحسب لها ألف حساب ويضعها باستمرار تحت المجهر والرقابة؟ في الحقيقة الغرب لديه نزعة أنانية نوعا ما ونظرة أنانية ومواقف شخصية مقارنة بالوطن العربي والإسلامي لأن التنظيمات الإسلامية تتواجد أيضا في دول مثل فرنسا، إنجلترا، أمريكا وكندا لكن غالبا هذه التيارات الإسلامية تعمل جو من السكينة أو تنعم إلى حد ما بالسكينة، وعليه لا يمكننا من جهة، لوم الوطن العربي والإسلامي على تواجد الجماعات التأسيسية في الوقت الذي توجد فيه جماعات تأسيسية أصولية إسلامية، لذلك أرى أن هناك سؤال حقيقي يطرح نفسه فيما يخص علاقة الغرب بالإسلام السياسي وبالجماعات التأسيسية، وهذه واحدة من التناقضات الهامة المطروحة على أرض الواقع، كما أن تواجد التيار الإسلامي في الدول العربية والإسلامية حقيقة قارة لكن هناك أمور أخرى أو بدائل وهي مجتمعات مدنية ديناميكية كما تحتوي أيضا توجهات ديمقراطية، والسؤال الذي يجب أن يطرح هو هل هذه التوجهات الصغيرة ستجد الدعم والتشجيع اللازمين للتقدم بخطواتها نحو الأمام؟ وهل سيحصلون على المساندة والتأييد، لأن هذه التوجهات هي التي تملك البدائل هي ديمقراطية بالطبع وبدائل تطورية تقدمية لكل ما يتعلق بالاحترام، العدالة، احترام حقوق المرأة، احترام الحريات والضمير التي تقود في النهاية إلى الديمقراطية الحقيقية. كل إصدارات جميلة بن حبيب تصب في بوتقة واحدة تهتم بالدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة، لماذا تصرين على تبني قضية المرأة بشكل خاص وحقوق الإنسان بصفة عامة؟ أعتقد أنه لا يمكن تحقيق ديمقراطية حقيقية دون توفير الحرية الفعلية والعدالة للمرأة، وعن طريق منظور المرأة يمكننا الحصول على فكرة جيدة للشكل الديمقراطي وتكوين نهج للمشهد العام، وكذا على الحركية السياسية المتواجدة في كل دولة، لذلك أرى في وضعية المرأة اليوم مفتاحا أساسيا لفهم المجتمعات ودرجة مقاوماتها والعراقيل وكذلك لفهم تطلعات الشعوب وآمالها، لكن ما يحصل اليوم هو أن عرض التيارات الإسلامية لا يتوافق مع طلب المجتمعات التي تتمنى العيش بكرامة وحرية، وفي النهاية الإسلاميين ليس لديهم الكثير لتمنحها إياها، وعليه يوجد عدم توافق بين متطلبات المجتمعات كما هي عليها اليوم وبين عروض الإسلاميين. كيف ترى جميلة بن حبيب مستقبل الشعوب العربية التي حاولت التحرر من أنظمة ديكتاتورية قهرتها لسنوات فوقعت تحت سلطة أنظمة إسلامية لم تقدم لها الحقوق التي انتفضت من أجلها وبحثت من خلالها عن التغيير؟ أريد أولا تحية نضال الشعوب العربية سواء في تونس، مصر أو اليمن، وأعتقد أنه ليس بالأمر الهين التخلص من أنظمة ديكتاتورية لأنها في الواقع خطوة هامة جدا، وأنا أعرف جيدا حقيقة الأوضاع في كل من تونس ومصر لأنني زرت البلدين بعد الربيع العربي قضيت 3 أشهر بين تونس والقاهرة، وأظن أنهما قطعا شوطا كبيرا بإزاحة نظامين ديكتاتوريين حكما المنطقتين طويلا، أما ما يحدث اليوم فدليل على أن القضاء على الديكتاتورية غير كاف بل الأمر أكبر من ذلك وهو التجسيد الفعلي لممارسة ديمقراطية، وهذا أمر جد معقد لأن الديمقراطية ليست شعارات ترفع ووعود تمنح للشعوب بل هي عمل متكامل وجدي، لكن الأمر يتطلب الوقت والقيام بقراءة جادة وشجاعة لما يجري اليوم داخل هذه الدول، التي توصلت إلى إشراك الإسلاميين في الحياة السياسية والديمقراطية، لكننا اكتشفنا أن التيارات الإسلامية ليست ديمقراطية كفاية، وأنهم في النهاية لا يستحقون هذه الشراكة لأن الإسلاميين هم أعداء الديمقراطية، وعليه فالسؤال الذي يطرح بشدة هو ما العمل الآن، والإجابة يقدمها لنا الشعبين المصري والتونسي لأنهما من سيجدان الحلول والمخارج لإنقاذ الديمقراطية، وأظن أن التجربة الجزائرية تعتبر درسا يمكن أخذ الكثير من العبر منه، لأن هذه التجربة أوضحت لنا نوعا ما حدود إشراك دمج الإسلاميين في العملية الديمقراطية التي كشفت عن الوجه الحقيقي للإسلام السياسي وهو وجه عنيف ووحشي، وعليه أعتقد أنه لا يمكن تحقيق ديمقراطية فعلية دون الفصل بين السلطة السياسية والدينية، وعليه يجب المطالبة بمنع الأحزاب المؤسسة على قاعدة دينية، لأنها في الغالب تستغل الدين لخدمة مصالحها كما تستعمل العنف لفرض أفكارها السياسية وسيطرتها على الشعوب، وبالتالي فهم اللعبة الديمقراطية لا يشكلون طرفا في اللعبة الديمقراطية. كيف كان صدى مؤلفك ”حياتي ضد التيار”، في الجزائر خاصة وأن عنوانه مستفز وأثار ردود أفعال كثيرة ومتنوعة بين مؤيد لما جاء فيه ومعارض؟ يمكنني القول إنه عرف إقبالا ملحوظا وحقق نجاحا معتبرا وقد صدر في الجزائر عن دار ”كوكو”، للنشر سنة 2010، ووصل توزيعه إلى نحو 3 أو 4 آلاف نسخة وربما أكثر، والقراء كانوا أكثر فضولا وتفتحا لمعرفة الأفكار التي حملها الكتاب، خاصة وأنه يتطرق إلى الأحداث التي عاشتها الجزائر والمأساة التي واجهتها، وأنا لا أنتظر اليوم التهنئة من الإسلاميين على ما جاء فيه وهذا أكيد، لذلك أجد أن الكتاب استقبل جيدا وحظي بتغطية إعلامية في المستوى، وأنا جد سعيدة لصدور أعمالي في الجزائر سواء ”حياتي ضد التيار” أو”خريف النساء العربيات”. بالحديث عن كتابك الذي صدر منذ فترة قصيرة بالجزائر، عن ذات دار النشر ووسمته ب ”خريف النساء العربيات”، هل يمكن القول إن هذا العمل هو تحقيق ميداني وتجربة شخصية تعكس تجربة النساء العربيات وإسهاماتهن في الربيع العربي؟ صحيح، لقد زرت كلا من مصر وتونس سنة بعد انطلاق الربيع العربي بالبلدين وتتبعت مسار الكثير من النساء ممن أعرف ولا أعرف، وركزت اهتمامي على معرفة كيف تنظم المجتمعات المدنية العربية نفسها ما هي التناقضات، الآمال والأحلام وغيرها من الانشغالات التي تراهن عليها المرأة العربية، وهذا كله تطرقت إليه بالتفصيل في هذا العمل الذي آمل أن يحقق النجاح والتساؤلات التي طرحها عملي السابق.