تعيش الجزائر بعد غد الخميس أهم اختباراتها السياسية، والرئيس بوتفليقة كان واضحا في رسالته للجزائريين، أما ما حدث ويحدث في المنطقة العربية ليس ربيعا للديمقراطية ، بل إعصارا يتهدد الأمة بأكملها..بمنتهى الصراحة والوضوح تحدثت السيدة فائزة بن حديد المناضلة والخبيرة الأممية في شؤون والمرأة في هذا الحوار المطول ل»صوت الأحرار« ..عن التحولات الخطيرة التي تشهدها المنطقة العربية، ولا تجد الدكتورة بن حديد أي غضاضة في أن تصف ما يحدث أنه مجرد مؤامرة جديدة وتجدد تحذيرها بأن الأسوأ قادم، وإذا لم نحسن قراءة المؤشرات فإن مستقبل أبناءنا في مهب الإعصار، لكنها وبشموخ وصلابة الجزائرية التي صقلتها سنين المحنة تؤكد بكل فخر أن الجزائريين من طينة خاصة وهم قادرين على تجاوز كل الأزمات، ومع ذلك تؤكد أن الفرصة بين أيدينا الآن لنصل للتغيير المنشود ولا يجب أن نفوتها..عن المرأة والدستور والثورة..الأحلام والأحزان..وبدمعة في العين ولوعة في القلب تحدثت هذه المرأة الجزائرية التي ظلت طوال أكثر من ثلاث عقود تحمل في حقائبها كثيرا من أنفة جيل نوفمبر وأوراق اعتمادها سفيرة فوق العادة لكل النساء الجزائريات أين ما حلت وارتحلت. حاورتها في عمان: سميرة بن عودة _نبدأ من التعليق الذي قالته السيدة بن حديد على سبيل المزاح والذي أعربت فيه عن أسفها لأنها لم تترشح لتشريعيات ال10 ماي، هل فعلا كنت تنوين الترشح؟ أكيد كنت سأترشح للتشريعيات وأخوض هذه التجربة السياسية الهامة، ما منعني أولا الفترة التي أعتبرها قصيرة بين الإعلان عن الانتخابات والتحضير لهذا الموعد والحملة الانتخابية، وثانيا وهو العامل الحاسم الذي جعلني أتراجع عن فكرة الترشح هو مستجدات عائلية، فكانت الأولوية لهذه الظروف العائلية، رغم الأهمية التي تكتسيها تشريعيات ال10 ماي بالنسبة للوطن، إلا أنني أعتقد أن الذي يتخلى عن مسؤولياته العائلية كيف يمكنه لاحقا تحمل مسؤوليات وطنية. _هل كانت السيدة بن حديد ستتقدم لهذا الاستحقاق الانتخابي كمستقلة أم تحت لون سياسي معين؟ _أكيد كنت سأترشح مستقلة، معروف عن السيدة بن حديد أنها مستقلة، وفي المنطقة العربية بالذات المجال واسع للقوائم المستقلة وربما كنا تقدمنا بقائمة مائة بالمائة نساء. _تؤمنين بأن النضال من أجل التغيير يكون بالمشاركة ومن داخل مؤسسات الدولة وهيئاتها؟ _طبعا، بالذات عندما يتعلق الأمر بأوقات حاسمة أو مصيرية يختبر فيها ولاء المرء لبلده، سبق وأن قدمت الدليل في التسعينات من القرن الماضي، فقد كنت آنذاك أستاذة جامعية لكن عندما طلب مني الالتحاق بالمجلس الاستشاري الوطني لم أتأخر لأن المرحلة كانت حاسمة آنذاك ويمكن القول إنها كانت حيوية، واليوم أيضا المرحلة لا تقلّ أهمية أو حيوية بل هي مصيرية،وخاصة بالنظر لما يجري في منطقتنا العربية. _ تعتبر انتخابات العاشر ماي لحظة سياسية فارقة وحاسمة بالنسبة للجزائر على حد وصف جميع الأطراف السياسية، كيف تنظر السيدة بن حديد لهذا الموعد ..؟ _بالفعل هي كذلك، ليس فقط للسياق الاقليمي بل أيضا ستكون محطة تقييمية لكل ما تم انجازه في العشريتين الماضيتين ولما عشناه ومررنا به، ولابد أن نطرح السؤال أين وصلنا، وما هو منتظر منا لما هو قادم وما تتطلبه المرحلة المقبلة من تجنيد. _وماذا عن السياق الإقليمي الحالي، كيف تراه السيدة بن حديد؟ _منذ البداية كانت نظرتي لما يجري في المنطقة العربية أنه أحداث لا تختلف عن سيناريو أكتوبر 88 الذي عشناه نحن في الجزائر، لأن مضمون الثورة مختلف تماما عما حدث ويحدث في المنطقة، ولا يمكن وصف مجموعة مظاهرات بأنها ثورة حتى ولو كانت نهايتها خلع رئيس أو مسؤول، وللذي يحسن قراءة المسار السياسي يكتشف أنها سيناريوهات طبقت من قبل، وتطبق الآن وحملت تسمية الربيع العربي تماما كما سميت في أوروبا الشرقية »ربيع براغ«، يعني بالنتيجة »رايحين نأخذ على راسنا« جراء ما يجري وللأسف المنطقة العربية في خطر، وأتساءل أليست هذه السيناريوهات كلها تخفي أهدافا خطيرة منها تدمير الأقصى في غفلة منا، لأننا منشغلين بقضايا هذا الربيع المزعوم، خاصة عندما نقف على الوضع في الدول التي يدّعى أنها عرفت هذه الثورات. _لو تحدّثنا قليلا عن تونس التي تقيمين حاليا بها، وعايشت فيها قبل سنة أحداث خلع الرئيس الأسبق كيف كان إحساسك في تلك اللحظات..؟ _رغم سعادتي بتحرر التونسيين في التعبير عن آرائهم وأفكارهم، إلا أنني كنت متخوفة مما هو قادم وحذرت منه حتى لا يمروا من نفس المسار الذي مررنا به نحن في الجزائر، وقلت يومها أن ما حدث هو نقطة انطلاق وليس ونقطة وصول وأن المخيف ما هو آت، فقد بدأت اليوم المخاوف الجدية على المكاسب. _هل توقعت ما حدث لاحقا؛ أي فوز النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي؟ _ والله كنت متأكدة من بقية السيناريو الذي أعقب خلع الرئيس الأسبق وهو ما قلته لكل أصدقائي وصديقاتي التونسيين، كنت أقول لهم حذار لا تتفاءلوا مما هو آت، إنه نفس السيناريو الذي مررنا نحن به، وليس ضروريا أن يكون الإنسان خبيرا في التحليل السياسي والمجتمعي ليتوقع ما الذي سيحدث، لا أرى فرقا بين ما حدث في الجزائر نهاية الثمانينات وما يجري في سوريا حاليا أو مصر أو حتى تونس هي المراحل نفسها تعرفها دول الربيع العربي، وكنت الرد الذي أتلقاه على تحذيراتي يومها أنه يستحيل أن يحدث في تونس ما حدث في الجزائر، وقلت يومها أكيد لن تكونوا مثل الجزائريين في استعدادهم الدائم لدفع الثمن والتضحية من أجل البلد. _ما حدث في الجزائر نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات أجبر السيدة بن حديد على المغادرة وتغيير المسار مثلما أكدت لي في لقاء سابق، ما هو إحساسك اليوم وأنت تعيشين نفس التجربة للمرة الثانية لكن هذه المرة في تونس، ألا ترين فيما يحدث قدر يلاحقك ؟ _ فعلا احساس صعب جدا، التجربة الجزائرية عشتها وأعيشها كجزائرية وكإنسانة وكامرأة في الجزائر ومن خارج الجزائر لأنني ورغم وجودي خارج البلاد لم أبتعد يوما عن الجزائر، أتساءل هل كل ما قمنا به من كفاح من أجل التحررّ إلى الكفاح من أجل التنمية ومن أجل الديمقراطية كان خطأ..؟ هل هذا معقول أننا كنا كلنا على خطأ؟ أكيد غير معقول، وما يحدث حاليا بغض النظر عن الحدود سيمسّ كل المنطقة، نحن استطعنا الخروج والإفلات من هذا السيناريو نسبيا إلا أن الاختبار الأهم يكون في 10 ما ي المقبل، وفي المقابل فإن السؤال الذي يظل مطروحا لماذا المنطقة العربية بالذات هي التي تدفع دوما الثمن دونا عن بقية الدول الإسلامية الأخرى؟ الإسلام انطلق من عندنا لماذا يشوه في منطقتنا ؟ وعدديا نحن اقل فئة وشعب مسلم من بين مليار مسلم في العالم، لماذا الإسلام يشوه في منطقتنا فقط؟ _ في التقرير الإقليمي الذي أعددته حول التشريعات والآليات المؤثرة في التمكين الإقتصادي للمرأة العربية حذرت بشكل صريح من انعكاسات ما سمي الربيع العربي على حقوق المرأة، على ماذا استندت الدكتورة بن حديد في موقفها؟ _ منذ البداية تخوفي كان واضحا وهو ما أكدته لجنة الأممالمتحدة لوضع المرأة في أشغال اجتماعها الذي خصصته للمرأة الريفية، ومن بين استنتاجاتها والخلاصة التي وصلت إليها أن الربيع العربي لن يكون ربيعا بالنسبة للمرأة العربية، فقد تفطنوا أخيرا إلى أن هذه الأحداث التي تسمى ربيعا هي خطر على المرأة بالنسبة لوجودها وبقائها، أنا كامرأة أعرف جيدا المنطقة واشتغلت بها، وما عشته كجزائرية من مراحل وأحداث في الجزائر شكل في داخلي رصيدا يساعدني على رصد واستشعار الأخطار التي تهدد بعض القضايا المصيرية، ما يحدث الآن انعكاساته لا تخلق مشكلة كبيرة بالنسبة لي لأني قادرة على أن أحمل مجددا أبنائي وأحفادي وحقائبي وأغادر إلى مكان آخر، لكن المشكلة أن ما حدث هو تهديد للمنطقة ككل .. استنتاجاتي هذه كانت قبل سنة وهو ما توصل إليه أخيرا واقتنع به اليوم الذين كانوا »يطبلون« ويتغنون بما سمي ديمقراطية وربيع عربي وتفطنوا إلى أنه لم يكن ربيعا عربيا بل إعصارا عربيا ليس على المرأة فقط وإنما على الشعوب العربية، لكن وكما هي العادة المرأة هي أول من يدفع الثمن. _هل تعتقدين بوجود مخاوف على الجزائر مما يجري، أم أنها سبق وأن دفعت الثمن وهي خارج الأجندة الحالية ؟ _ لا، الجزائر ليست خارج الأجندة الحالية ولا يجب أن نكذب على أنفسنا فقد كانت هناك محاولات لزعزعة الاستقرار وما تزال هناك محاولات أخرى في إطار نفس الإستراتيجية، أتمنى أن يكون الشعب الجزائري متفطن لما يحاك حوله، ولا تعتقدي أنه كوني أقيم بعيدا عن الجزائر أنني بعيدة عن الجزائر، زياراتي متكررة وأنا في احتكاك دائم مع الجزائريين الذين يؤكدون لي أنهم غير مستعدين لدفع المزيد من الثمن، هذا ما سمعته من الكثيرين من مختلف الفئات والمستويات الاجتماعية والثقافية، الكل مقتنع بوجود مشاكل وصعوبات وعراقيل للتنمية من قبيل البطالة والرشوة ومحدودية الممارسة الديمقراطية ولديهم وعي بكل المشاكل التي يتخبط فيها وطننا، في المقابل أن التغيير يكون بمزيد من العمل لتحسين الأوضاع وليس أن بتخريب البلاد طمعا فيما هو أفضل هذا ما سمعته من ألسنة الكثيرين. _إذن أنت تتقاطعين مع تصريحات الرئيس وخطاباته في أكثر من مناسبة والتي حملت تحذيرات صريحة لما يحاك ضد الجزائر؟. _بصفتي مختصة في تحليل مضمون الخطاب السياسي والاجتماعي والفردي في إطار تخصصي في علم النفس، واضح من خطاب رئيس الجمهورية سواء للشباب أو رسالته للنساء في 8 مارس أنه متخوف وله الحق في مخاوفه هذه لأنها مسؤوليته لأن الجزائر ما تزال بين يديه وهي أمانة بين يديه وغير معقول أنه سيقبل أن تذهب كل الجهود التي بذلها في سبيل البلاد لإعادة الاستقرار وإعادة بناء ما خرّب في عشرية الدم والدمار هكذا سدى، ومن مسؤوليته أيضا أن يضمن ترك البلاد بعده أيضا بين أيدي أمينة. وقراءتي لرسالته إلى النساء في 8 مارس لم أر فيها رسالة للنساء فقط، بقدر ما هي رسالة لكل الدول العربية مفادها الجزائر غير مستعدة للعودة إلى الوراء، بما في ذلك ما يتعلق بحقوق النساء. _لو تحدثنا قليلا عن الانتخابات التشريعية، وزيرة شؤون الأسرة والمرأة نوارة جعفر توقعت حصول النساء على 100 مقعد في البرلمان المقبل، أولا ما تعليقك على هذه التوقعات وثانيا هل تعتقدين أن حضور المرأة في التشريعيات سيكون فعليا أم أنه سيكون مجرد رقم فرضه القانون ؟ -أرد على السيدة نوارة بطريقة شعبية »من فمك لربي«، وان شاء الله تتحقق هذه التوقعات وأن ننجح في تطوير حضور المرأة في المشهد السياسي بعيدا عن ما يثيره البعض بشأن قضية الكفاءة، لأن تعريف المساواة أن يكون للمرأة الحق في أن لا تكون كفوءة مثل الرجل، لأن السؤال هل كل الرجال سواء في البرلمان أو في الحكومة أو في المناصب السامية ومواقع اتخاذ القرار يتمتعون بالكفاءة؟، ولماذا عندما يتعلق الأمر بالمرأة يتحججون بأنها لا تمتلك الكفاءة والمهارات المطلوبة، المساواة أراها كما حددتها إحدى المناضلات الفرنسيات وهي ليس الحق في الكفاءة وإنما الحق في عدم الكفاءة وعندما يصبح هناك تقبل للنساء بنفس مستوى تقبل الرجال بغض النظر عن الكفاءة تصبح هناك مساواة. هناك دوما الحديث بأن المطلوب ليس العدد الكمي، وإنما العدد النوعي، لكن العدد النوعي يجب أن يتطور بعدد كمي إذا لم تكن هناك نسبة يمكنها التأثير في البرلمان وإحداث التغيير فهي كأنها غير موجودة. ولو عدنا لنتائج الانتخابات الأخيرة في مصر مثلا التي تحصي ما يفوق 80 مليون نسمة نجد تمثيل النساء في البرلمان هو 2 بالمائة، هذا أمر مخيف وبالنسبة لتونس أيضا انتخابات المجلس التأسيسي تراجعت فيها النساء بمقعدين على الأقل. _ هل المجتمع مهيأ اجتماعيا وثقافيا لتقبل دور سياسي قوي وحاسم للمرأة؟ _ تعبير »المجتمع« هو مصطلح غامض، فالسؤال أولا من هو المجتمع؟ هل هو أبي وأمي زوجي وابني ..أجل هؤلاء متقبلون لهذا الدور للمرأة، هل هو جاري وجارتي؟.. أجل هم مستعدون لتقبل هذا الطرح، لكن المجتمع هو أيضا مؤسسات الدولة وهو أيضا الرجال، لهذا فإن السؤال يطرح على أكثر من مستوى، هل الرجال مستعدون لتقاسم السلطة مع النساء؟ هذا سؤال أول، هل الدولة مستعدة لوضع الإجراءات التي تسمح بتعزيز دور المرأة؟ هذا سؤال ثاني، الدولة قدمت مؤشرات من خلال المادة 31 مكرر في التعديل الدستوري الأخير، ومن خلال قانون الانتخابات، لكن هل هذا كاف لدعم مساهمة المرأة؟ هذا أيضا سؤال، هناك أيضا قضايا أخرى مسألة التمويل في الانتخابات وتوفير الخدمات التي تخفف على المرأة أعباءها المنزلية لأن المجتمع لا يعترف ويتقبل للمرأة حتى ولو كانت رئيسة جمهورية التخلي أو التهاون فيما يتعلق بالأدوار الإنجابية ويظلّ يتساءل دوما من يهتم بأبنائها وزوجها، في الماضي كان يقال عن الأطفال في الشوارع إنهم أبناء النساء العاملات، ليتضح لاحقا أن الموجودين في الشوارع ليسوا أبناء النساء العاملات لأن المرأة العاملة لا تغادر إلى عملها قبل اتخاذ كل احتياطاتها في إطار مخطط استراتيجي كامل تطمئن من خلاله على بيتها وزوجها وأبنائها، أعود وأقول إن السؤال ليس بهذه البساطة، بل هناك إجراءات متكاملة تساعد فعلا في تعزيز مساهمة المرأة الفعلية في المجال السياسي، ومساهمة المرأة يعني نصف المجتمع ومن يتخلى عن نصف قوته فإن التنمية في هذا المجتمع ستكون في حدود النصف وديمقراطيته كذلك هذه هي المعادلة وهذا هو الحساب الصحيح. _خلال عرض القانون المتضمن نظام الكوطة للنساء، العديد من الأحزاب التي انتقدت القانون، وكانت حجتها في ذلك عدم وجود العدد الكافي من النساء في الولايات الداخلية لترشيحهنّ في الانتخابات، ليتضح لاحقا وجود فائض في الراغبات خوض المنافسة الانتخابية، ما تعليقك.؟ _ هذا يؤكد أنهم يبحثون فقط عن حجج وذرائع لا تكشف دوافعهم الحقيقية، والعائق الأول في قضية المشاركة السياسية للمرأة هي ذهنيات بعض الرجال لأنهم لا يقبلون أن تنافسهم المرأة، فيما يعتقدون أنه حقهم وهم غير مستعدين لأن يتقاسموا معها السلطة. _البرلمان المقبل أمامه مهمة أساسية وهي تعديل الدستور، ألا توجد مخاوف من سيطرة تيار معين على البرلمان ولنكن أكثر تحديدا ونقول التيار الإسلامي وأن هذا الأخير قد يفرض أجندته ويعكس رؤيته ومشروعه في مراجعة الدستور؟ _أولا ما هو الغرض من مراجعة الدستور إن كان الهدف مراجعة بعض المواد التي تجاوزها الزمن وهي مواد من الأساس تم إقرارها في ظروف الأزمة فهذا مقبول، أما إن كان الهدف إعادة صياغة الدستور كله فهنا مكمن الخطر، لأن هذا يعني أننا نريد مشروع مجتمع آخر، لأن الدستور هو القانون المؤسس للدولة بكل مكوناتها ومن بينها الشعب، لابد أن نحدد جيدا الغرض من مراجعة الدستور وتحديد توقعاتنا من هذه المراجعة قبل الذهاب لهكذا خطوة، ونأخذ مثال على ذلك ما حدث في اليمن من حملة دعوة لرفع سن الزواج لدى المرأة الذي كان آنذاك 14 سنة والنتيجة أن ما حدث عندما وصل الأمر للبرلمان أقر هذا الأخير قانونا جديدا يعتمد سنّ 11 سنة للزواج فكانت نتائج الحملة عكس ما كان يراد منه. التحفظ بالنسبة لي أنه من المغامرة والمخاطرة مراجعة الدستور من قبل برلمان أصلا لا ندري كيف ستكون هويته ولونه السياسي، لأن في النهاية هذه ديمقراطية وعلينا تقبل نتائجها، وهنا لا يتحول الأمر إلى إصلاحات لأن الإصلاح مصطلح يحمل الايجابية، لكن بهذه الطريقة نحن نمنح هذه الصلاحية لبرلمان لا ندري كيف سيكون لونه، قد لا يتحول الإصلاح إلى الأحسن بل إلى الأسوأ. _ كيف تقيمين تجربة 40 سنة من نضال السيدة بن حديد في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة؟ هل أنت راضية على ما تحقق طيلة هذا المشوار؟ _كنتائج أقول لحد الآن أنني حاولت في كل المجالات التي تدخلت فيها أن يكون عملي نضالي، ليس فقط عمل مقابل راتب، سواء في المؤسسات الوطنية أو في الجمعية أو المستشفى أو في الجامعة، اشتغلت دوما بمبدأ أن يكون عملي التطوعي كأنه مقابل راتب وفي عملي الرسمي كأنني متطوعة، قدمت كل ما يمكن أن أقدمه في سبيل القضايا التي أؤمن بها. تعلمين لماذا أنا مجروحة مما يجري في العالم العربي؟.. منذ بداية عملي في مجال النضال لحقوق المرأة من منظور حقها الإنجابي وتنظيم الأسرة كانت رسالتي دوما أن المرأة لا يمكنها التمتع أو المطالبة بحقوقها الإنسانية الأخرى، إذا لم تتمتع بحقها الأساسي وهو التحكم في جسدها وأن تقرر متى تنجب أو عدد الأطفال الذين تنجبهم، لأجد بعدها أن حتى الحق الإنجابي مرتبط بحقوق أخرى، توسع عملي لاحقا على مستوى الرؤية وعلى المستوى الجغرافي، وامتدّ إلى المنطقة العربية، وعندما التحقت بالأممالمتحدة وتعاملت مع المنطقة ككل كأنها بلدي الجزائر، وأعتقد أنني ساهمت في كثير من التغييرات الايجابية لصالح المرأة في المنطقة ولو بجهد متواضع، والآن اشعر أن كل ما ناضلت لأجل تغييره طيلة سنوات يتهدده الخطر. أتساءل اليوم، رغم أنني لا اشك فيما قمت به وقدمته، إلى أي مدى كنا على حق؟ حتى بالنسبة لطموحاتنا، ففي الماضي وأنا طفلة قمت بمهام لا يفترض في الأطفال القيام بها، لكنني قمت بها كامتداد لنضال أهلي ضدّ المستعمر ولم أطلب يوما شهادة مجاهدة، لا أدري إن كنت حدثتك سابقا عن هذه الحادثة أم لا ؟ منذ صغري كنت متفطنة ولاحظت مرة أن أبي وأمي أغلقا عليهما صالون المنزل وغابا لمدة طويلة فنظرت من ثقب المفتاح واكتشفت أنهما بصدد تحضير أعلام وطنية وأسلحة واضطرا بعدها لأن يخبراني بالأمر. وقد كان في قريتنا آنذاك طبيب أسنان يحضر إليه جنود الاحتلال أسبوعيا المساجين، كنت أتسلل إليهم فيضعون لي الرسائل في ملابسي، كما أتذكر جيدا والدي عندما كان يأخذني معه في السيارة في مهامه من قرية إلى قرية لتوزيع الرسائل، أتذكر جيدا إضراب الطلبة عن الطعام عندما كنت في قسم السنة السادسة بثانوية القبة وسني آنذاك لا يتجاوز 11 سنة، كان طلبة الصفوف العليا يحاولون إطعامنا وكنت أرفض، رغم أنني كنت طفلة ومتغربة عن مدينتي وأهلي رغم ذلك كنت أصرّ على عدم الأكل وأكون إلى جانبهم في الإضراب. أية إنسانة كان ممكن أن أصبح عندما أكبر بعد كل هذا الذي عشته وعايشته، أتساءل اليوم عن دم الشهداء وعن الاستقلال والثمن الذي دفعه أهلنا وشعبنا لنصل إلى هذه المحنة؟ حاليا انا في هذا الوضع، منذ فترة كنت في اجتماع لإعداد خطة عمل حول مشروع التقرير الإقليمي للتشريعات والآليات المؤثرة في التمكين الاقتصادي للمرأة العربية،لم أشعر بنفسي إلا وأنا أبكي وعلّقت أي مشروع وأية أنشطة؟ وأية خطة وأية تدخلات إستراتيجية والمنطقة كلها في مواجهة خطر الموت؟..حاليا كل أحلامي مدمرة لأن كل ما كنت أؤمن به ليس فقط تزعزع بل تزلزل. _ يعتقد البعض أن المجتمع الجزائري يعاني من علات ومشاكل سسيوثقافية، منها ما يتعلق بالهوية وحقوق المرأة وأن الأزمة السياسية والأمنية التي كانت تعاني منها البلاد هي التي أرجأت انفجار هذه المشاكل...هل أنت مع هذا التحليل..؟ _قضية الهوية استحضرت لأغراض أخرى، لم أشعر يوما أن لدي أزمة هوية أنا جزائرية ولدت قبل الاستقلال وعشت الاستقلال والشعب الجزائري مسلم وإلى العروبة ينتسب إلى جانب البعد الأمازيغي في الهوية الجزائرية، أين المشكلة في الهوية إذن؟ أزمة الهوية مفتعلة ولا أعتقد أن الجزائريين لديهم مشكل هوية. حتى الشباب أجزم أنه لا يعاني مشكل هوية، بل يفتقد المكانة التي يريدها في وطنه »ما همش لاقيين رواحهم في مجتمعهم «، وليس مشكل هوية، لأن المجتمع لا يوفر لهم الأساسيات التي تضمن لهم العيش بكرامة، واللغة لا تعني بأي شكل من الأشكال مشكل هوية وهل لأنني أتحدث الفرنسية والانجليزية أنه لدي مشكل هوية لا ليس كذلك أنا جزائرية وهذا هو المهم. _ملف حقوق المرأة هو الآخر أجلته الأزمة الأمنية؟ _ عندما كنت في المجلس الوطني الاستشاري سنة 93 أو 94 اقترح علي منصب في الحكومة، وطرحت السؤال آنذاك هل لي أن أغير قانون الأسرة..؟، وقيل لي ليس وقته، فكانت النتيجة أنني رفضت المنصب وقلت بالنسبة لملف المرأة ليس وقته أما التخلي عن السيادة الوطنية فهو وقتها، لأننا حينها كنا بصدد مناقشة القانون الذي يسمح للشركات الأجنبية باستغلال المحروقات في الأرض الجزائرية الذي كان مقتصرا على سوناطراك، الشعب ليس لديه مشكل في تمكين المرأة من حقوقها بل خلق له هذا المشكل وقدّم له الموضوع على أنه تهديد له. _ ما هي رسالتك للمرأة الجزائرية عشية الانتخابات التشريعية..؟ كنت أتمنى أن أكون في هذه المعركة كمترشحة، المرأة الجزائرية بحاجة إلى دعم وليس إلى رسالة.. أتمنى أن أرى معدل النساء في البرلمان قد ارتفع ونكون في مركز أفضل من الإمارات العربية المتحدة التي هي الآن الأولى عربيا في مجال المساواة والمشاركة السياسية للمرأة.