كان إنجاب البنات إلى وقت قريب جدا، يعد عيبا كبيرا وهما قد ينزل بالأسرة، وطالما تسبب هذا المشكل في تفكيك روابط أسر وتشريد العائلة، لأن الرجل الجزائري كان يحبذ إنجاب الذكور. ورغم أن الطب ينفي عن المرأة أي مسؤولية في تحديد جنس المولود، لكن كانت أغلب حالات الطلاق تقع بسبب أن امرأة لا تنجب إلا الإناث. برعت الثقافة الشعبية الجزائرية في رجم الأنثى وإلصاق كل التهم المشينة بها، حتى صار إنجاب البنات قرينا بالهم والغم وقلة الحظ، وأكثر من ذلك نذير شؤم وفأل غير محبب لأن”مول البنات رافد الهم للممات”. فقد كان من الثابت في العرف الجزائري شعبيا أن أي أسرة تولد فيها بنت لا تعلو فيه الزغاريد ولا يقام فيها “السبوع” أوالعقيقة. غير أن هذه النظرة تغيرت في السنوات الأخيرة، حيث صارت ولادة البنت تأتي مرفقة بكل مظاهر الفرح والأبهة، التي لا تكاد تختلف فيها طقوس استقبال البنت عن الولد في شيء بما في ذلك العقيقة والزغاريد، وصار المثل الشعبي يقول”إللي ما عندو البنات ما عرفوه وين مات”.. فما هي دواعي هذا التغيير؟ يربط الكثيرون بين الترحيب الذي صارت تلقاه البنت في الأسرة الجزائرية وبين التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها هذه الأخيرة، لأن البنت كانت في السابق مجرد عالة على العائلة وعبئا على والديها، وصارت اليوم مالكة وصانعة قدرها. وبحكم الأعراف والعادات والتقاليد فإن الأسرة تحمل هم البنت منذ ولادتها إلى غاية زواجها، والأسرة التي لا يوجد بها ذكور لن يكون لها وريث يحمل اسمها، ولن تكون لها هيبة بين الناس، خاصة إذا كان حظ البنات متعثرا في الزواج، لأن أي مصير للبنت خارج هذا القدر كان ممنوعا من قبل.. لكن اليوم مع تطور الحياة العصرية صارت المرأة تقتحم مجالات الحياة دون استثناء، وصارت البنات أكثر حرصا على النجاح من الأولاد. وأكثر من ذلك فأحداث المحاكم اليوم تعج بأخبار الأبناء الذين يضربون آباءهم ويلقون بهم في دور العجزة، بينما البنت حتى لو تزوجت تبقى على اتصال بوالديها وتعمل كل ما بوسعها لتوفق بين حياتها ومتطلبات عائلتها وأوليائها. البنت عادة تكون “حنينة” على والدها.. هكذا صار أباء اليوم مقتنعون أن البنت لم تعد مصيبة، ومع تغير نمط الحياة صارت المرأة شريكة حقيقية في صناعة فرص الحياة داخل الأسرة، حيث أصبحت لها نفس الفرص والحظوظ مع الولد، بل قد تتفوق عليه في الكثير من الأمورالمتعلقة بالعمل والدراسة وتحصيل الرزق والتدرج في السلم الوظيفي و المسار المهني، وصرنا نقول “عيشة خير من عياش”..