هنئك ملحق ”الفجر الثقافي” بفوزك بالمرتبة الأولى في الشارقة بنصك ”الفزاعة”.. هل الاعتراف العربي صار مرجعية ضرورية لكل بداية أدبية في الجزائر؟ شكرا لك، شخصيا لا يمكنني الجزم بهذا، لم تمر فترة كبيرة على تتويجي لهذا من المبكر الحديث عن أن التتويج بجائزة الشارقة قد غير من موقعي على خارطة المشهد الأدبي الجزائري، لكني أعتقد أن الاعتراف العربي يمنح الكاتب الشاب في الجزائر أمرا لا يحظى به عادة، وهو أن يلتفت إليه عوض أن يضيع وسط الزحام.. لنص إنقاذ الفزاعة حكاية طويلة، فقد أتممته منذ عامين ورشحته لجائزتين في الجزائر ولم ينل تنويها حتى، وهو مقبول على مستوى المسرح الوطني منذ تاريخ إنهائه وتقديمه، لكنه لم ينتج فعليا على الخشبة، ربما سينصف هذا التتويج نصا لطالما آمنت أنه ”أوريجينال”. إذن.. هل تعتبر هذا التتويج إنصافا لك في حين لم ينصفك المشهد الأدبي الجزائري؟ هناك شيء واحد يجعلني لا أجزم أن نصي لم ينصف، وهو أنني بمجرد أن قدمته للمسرح الوطني في فيفري 2011 قرأه المدير الفني ابراهيم نوال وأعلن إعجابه به عبر مقدمة كتبها له، ووعدني بإنتاجه في إطار عيد الطفل، يعني بتاريخ 1 جوان 2011، وهو الأمر الذي أكده المدير امحمد بن ڤطاف بعد أن قرأ النص، واستدعاني لمكتبه ليشكرني على مستوى النص الذي وصفه بالنص الذكي والناضج، لكن لحد الآن وبعد عامين من هذا القبول العمل لم ينتج فعليا لأسباب لا أعرفها. لكن فيما عدا ذلك أظن أن النص لم يجد فرصته رغم الإدعاءات المتكررة بوجود أزمة نص في الجزائر. سألني صديقي علاوة حاجي، في حوار إذاعي، عن أزمة النص المسرحي في الجزائر فأجبت: ”أزمة مفتعلة لن أقبل أن أناقشها إلا بعد أن أسوق سبعة نصوص مسرحية قمت بكتابتها ولم تنتج لحد الساعة”. ما رأيك في هذه التتويجات المتلاحقة للجيل الجديد من الكتاب الجزائريين في الخارج؟ هل لاتزال القاعدة التي مفادها أن كل ما هو قادم من خارج الجزائر ناجح بالضرورة؟ نعم، ببساطة الجوائز التي تأتي من الخارج لا تحتكم للمحسوبية و”المعريفة”، ومصداقيتها ليست محل تشكيك لأن النصوص تطبع وتعرض للعالم بأسره للتأكد من جودتها، ثم أنني أستغرب من الهجوم الذي يتعرض له الكتاب الجزائريون لدى ترشحهم للجوائز العربي، عوض أن يتجند الجميع من أجل دعمهم، نجد أن آلة النميمة تشتغل بشكل آلي. وفي الوقت الذي تتحرك فيه الماكينات الإعلامية في بلدان عربية من أجل حشد الدعم لمرشحيها، نجد أن الصحف الجزائرية تفتح صفحاتها للكتاب ليسبوا بعضهم بعضا.. آلمني ما تعرض إليه واسيني الأعرج لما رشح للبوكر منذ عامين، لقد شهدنا حملة جزائرية غير مسبوقة ضده من كتاب لم يتم ترشيحهم، وهذا أمر معيب! أما الجيل الجديد، فهو يصنع مكانته بنفسه مادام يتكل على جودة ما يبدعه، ومادام الاعتراف في الجزائر يخضع لاعتبارات كثيرة غالبا ما تكون الجودة في مؤخرة لائحتها، فإنه يبحث عن المكان الذي يحصل منه على اعتراف ينصفه وهذا حقه المشروع.. نسيت، في بلدان أخرى تكرم وزارات الثقافة كتابها الذين يشرفون بلدانهم في جوائز عربية وعالمية، بينما في الجزائر يمر الأمر وكأنه لا حدث! لكن الجوائز غير كافية حتى يكرس اسم أدبي.. لابد من معطيات أخرى.. أو بالأحرى لابد من مؤسسات؟ لا بد من وجودها، لكن ما يجب أن يكون شيء والواقع شيء آخر مؤسف.. لماذا لا يتم الاستثمار في كل من يشرف الجزائر في مجال الأدب؟ وهنا لا أتحدث فقط عن وزارة الثقافة أو الهياكل التابعة لها، بل أتحدث كذلك عن الشركات الخاصة التي تحتفي بالرياضيين بينما لا تعطي للثقافة الاهتمام اللازم. منذ فترة طرح صديق نكتة على فيسبوك مفادها أن اسماعيل يبرير، الفائز بالمركز الأول في جائزة الطيب صالح للرواية، قد تحصل على عقد رعاية لمدة خمس سنوات من إحدى شركات الهاتف المحمول، وكم كانت هذه النكتة مؤلمة وجارحة..! على ماذا يفضل يوسف بعلوج الاشتغال.. وهو أمام جبهة المسرح، السينما، الكتابة الفكرية.. وربما الرواية؟ ليس لدي قالب محدد أحب أن أشتغل عليه، في البداية كتبت القصة القصيرة وكنت أجد نفسي في هذا العالم المكثف، ربما كنت أثرثر حينها بما يكفي ليستهلك كل كاتب.. ثم توجهت إلى الكتابة إلى المسرح وقلت لنفسي سأكتب أخيرا في مجال يسع جنوني، وقد أحببت الأمر كثيرا لكن للأسف لم أتشجع للمواصلة في هذا الأمر لأنه لم يعد علي بنفع سواء أدبيا أو ماديا، الكتابة للمسرح في الجزائر هي مكابدة لا تلقى أي نوع من التقدير للأسف، ثم قلت لنفسي علي أن أحسن وضعيتي المادية وحينها فكرت في كتابة السيناريو، وأنا أشتغل على فيلمين قصيرين ومسلسلين كوميديين. أما الرواية فهي مشروع أفكر أحيانا في إعدامه. لست أدري لماذا بالرغم من أنني أرغب بشدة في أن أتمه وهذا أمر يصعب تفسيره، لدي مشروع شعري كذلك قد يبصر النور قريبا.. المهم ما يشغلني هو أن أكتب بصورة جيدة، وأن أنال التقدير المناسب لقاء تعبي، أما القالب فلكل قالب متعته الخاصة. لنعد إلى نكتة إسماعيل ابرير.. في رأيك من هو المسؤول عن هذا الوضع الرديء للمبدع في الجزائر.. هل تتفق مع من يقول أنه المبدع نفسه؟ نعم المبدع جزء من المشكلة، يؤلمني أن البعض استقال وأفسح المجال للرديئين والأدعياء حتى يحتلوا المشهد ويمدوا أرجلهم التي يستخدمونها للكتابة أيضا، أنا موجود وسأناضل لأكون، ولن أضع في فكري أنني سأكون صنيعة أحد، سأصنع نفسي بنفسي وسأجاهد حتى أفعل هذا الأمر، صحيح أن الكاتب الشاب يواجه منظومة منغلقة على نفسها لكنه يجب أن يبحث عن منافذ جديدة، لقد أغلقت الكثير من الأبواب في وجهي، لكني صنعت أبوابا في خيالي ونفذت منها إلى مستقبلي الذي أراه بمنطق المتفائل رغم كل شيء. المشكلة العظمى في رأيي أن نسبة كبيرة من ميزانية الثقافة في الجزائر تذهب إلى غير مستحقيها، وهذا أمر يجب أن يتم الانتباه إليه. في الجواب السابق قلت أن المهم ما يشغلني هو أن أكتب بصورة جيدة، وأن أنال التقدير المناسب لقاء تعبي، أما القالب فلكل قالب متعته الخاصة، لكن لابد من متعة غالبة؟ أنا أستمتع بمراقبة شخوصي، أحيانا أندهش للطريقة التي تقرر بها مصائرها، وأترك لها فسحة ديمقراطية ممتازة، أنا أعاملها بالرفق والعناية التي لم احصل عليها ككاتب. هذا لا يمنع أنني أرغب في أن أصرخ في بعضها أحيانا بالقول إنه لا يجوز فعل هذا أو ذاك، لكني في النهاية أعود لأحترم خياراتها المجنونة. المتعة كذلك تأتي حسب نوع النص، أستمتع بكتابة سينارية ”السيت- كوم” لأنه يجعلني أبتسم دوما، السيت - كوم مضاد للاكتئاب. أما الرواية فهي بالنسبة لي متنفس للقول ”فلتذهب نظرية موت المؤلف إلى الجحيم”، ربما أعبر بها أكثر عن خيباتي، الشعر أو ما يشبه الشعر فرصة لإعادة التوازن الجمالي لنفسي بعد التعرض لكم بشاعة غير مسبوق. أما المسرح فهو المجال الذي أتخلص فيه من جنوني على الورق. تدعو أنت أيضا إلى كوطة أدبية توزع فيها الريع مثلما وزعت مناصب مدراء الثقافة على الأدباء ذات أزمة؟ لن أدخل في متاهات كبيرة للرد على هذا السؤال، أعطيك مثالا فيما يخص ميزانية رصدت لطبع 1000 كتاب خصصتها وزارة الثقافة ضمن تظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية. أردت أن أقوم بتحقيق حول هذه الكتب عندما كنت أشتغل في جريدة الجزائر نيوز، عندما لاحظت أنها تباع بسعر التراب عند باعة الكتب القديمة، وهي في الغالب نسخ جديدة. كنت أتساءل بيني وبين نفسي ثم أمام من يشاطرني هذا الهم: كيف وصلت كتب جديدة إلى باعة الكتب القديمة؟. للإشارة كثير من هذه العناوين أعيد طبعها في تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة لكنها بيعت بأسعار مرتفعة جدا، ما الغرض من إعادة طبعها وبيعها بأسعار مرتفعة إذا تم طبعها مسبقا وانتهت عند باعة الكتب القديمة بسعر الجرائد اليومية؟ هذا دون أن نتحدث عن محتوى هذه الكتب وأحقيتها في أن تلقى طريقا إلى النشر. أما بخصوص الريع، لا أتحدث عن ريع بل عن شيء يستحقه من يشرف الجزائر، وهذا الكلام أقوله بناء على ما نسمعه بشكل دوري عن تكريم من يفعل هذا الأمر. لن تحتفي الوزارة بتتويجك.. ومع ذلك سعداء نحن بك وبك اسماعيل ابرير.. هناك في الأفق نجاحات تحلق! لكل مجتهد نصيب، هناك كتاب رائعون في الجزائر، وأؤمن أنهم لن يستكينوا إلى مصير مقرر مسبقا، أحيي فيهم رغبتهم في خلق شيء مميز، ويسعدني أن أنتمي إليهم. حاورته: هاجر قويدري يوسف بعلوج من مواليد الثمانينيات، قدم إلى عالم الإبداع بعد تخصص تقني، قدم كتابه الأول بعد تجربة إعلامية مميزة حول الثورة التونسية بعنوان ”على جبينها ثورة و كتاب”، عرفت مدونته رواجا كبيرا. كما قدم أعمالا مسرحية ودرامية بالإضافة إلى عدد من المقالات المتعددة الاهتمامات في عدد من الدول العربية. تحصل مؤخرا على الجائزة الأولى بالشراقة في فئة أدب الطفل عن نصه المعنون ب”الفزاعة”.