إن الجماليات التي تتميز بها الرواية الجزائرية تندرج في إطار السعي لعمل أدبي إبداعي يتداخل مع إطارات فنية تكون غالبا نتاج إثراء فكر أدبي متداخل في انعكاسات المجتمع. فالعمل المتكافئ في الإبداع القصصي الجزائري يندرج في إطار التفكير في ثنائية الطرح والفكر الأدبي، إلا أن التساؤل الذي يلح على أذهاننا هو هل نستطيع أن نعتبر أن هناك جدا في طرح الأعمال الروائية الجزائرية الحديثة، أم أن هناك أسلوبا مغايرا ينتمي إلى مستويات جمالية وبنائية وموضوعاتية مغايرة، أوهناك إجراء حواري يحترم مختلف الآراء، هي الإشكالية التي حاول بعض النقاد والروائيين الإجابة عنها في هذا العدد الجديد من الملحق الثقافي.. علينا التفرقة بين التشجيع وتعميم الرداءة أعتقد أن النص الروائي الناجح لا ينتمي إلى جيل ما، إنه ينتمي إلى الكتابة، ينتمي إلى الخلود. انطلاقا من مفهومي هذا فإني أرى أن الأصالة أو التأصيل، مصطلح يحيل على العتاقة، هو مفهوم ينتمي إلى ”الانجذاب بالماضي” أي الخنوع لسلطة الماضي. إن مفهوما كهذا في الرواية، كتابة أو قراءة، يجعلها لا ترى مستقبلها إلا في ماضيها، وهذا خطر على حرية الإبداع وعلى الجانب الرؤيوي النبوي في الكتابة الإبداعية بشكل عام وبالرواية بشكل خاص. في رأيي الأدب بقدر ما يحيل على السؤال ويغري بالارتماء في ”المجهول” بمفهومه الفلسفي، فإنه قادر على خلق فتوحات جديدة. صحيح أن الرواية المعاصرة هي النص المؤسس على المعرفة، ولا يمكنني اليوم تصور روائي يقرأ في الجزائر واليابان و السعودية وموسكو وداكار وطشقند دون أن يكون مؤسسا على سؤال فلسفي، وحين أقول ب”السؤال الفلسفي” هنا فأعني به فلسفة اللغة التي يكتب بها، فلسفة البناء السردي الذي يقيم فيه صرح الرواية ثم فلسفة المعرفة الأدبية التي هي رأسمال إنساني مشترك. أعتقد أن الرواية أضحت اليوم ”تبتعد” أكثر فأكثر عن مفهوم ”الوطنية” وتقترب أكثر فأكثر بمفهوم ”الانسانية”. صحيح أن هذه الإنسانية لا تتحقق إلا من خلال البحث في تفاصيل ”اليومي المحلي”، إلا أن هذا المحلي لا يتجلى أدبيا كبوابة للإنساني و العالمي إلا إذا كان جوانيا ومن خلال سؤال الفلسفة اللغوية والمعرفية و البنية الجمالية. أتصور اليوم في حال الممارسة الإبداعية في الجزائر، أنها مؤقتة وبدقة على ساعة ”الرواية”، وفي تصوري أيضا أن الأجيال ”العمرية” التي تكتب بتميز هي التي تنتمي إلى ”الكتابة” ولا علاقة لذلك بالعمر. كما أن ما قد يجعل هذا الروائي متميزا عن ذاك هي ”الدربة” في الكتابة هي الدربة لا محالة، فإذا كانت الكتابة قبل كل شيء ”إبداع” وجنون واع فإنها أيضا ”صناعة” كصناعة ”الزربية” أو تطريز قفطان ذي طراز أندلس، بكل تعقيدات الإبداع الذي يتحكم في ”اليد” الصانعة. أقرأ كل ما ينشر في الجزائر وأقول إن هناك حالة من الفرز بدأت تتبدى، وتعلن عن أقلام تتأسس كمرجع وكنقاش وكقراءة أيضا، إنها أسماء تتموقع ما بين سنوات الثمانينيات والتسعينيات. وأعتقد أن أكتوبر 88 في الجزائر استطاع أن يطرح سؤالا على الرواية وعلى الروائيين، هذا السؤال أساسه الحرية الفردية التي عليها يتأسس الخطاب الإبداعي، وأقول إن هذا السؤال التقت فيه أسماء تنتمي للثمانينات وأخرى تنتمي للتسعينيات دون قطع لتكتب ”البحث عن الحرية الفردية”. ما أخشاه وما يجب الانتباه إليه هو أن علينا ”التفريق” ما بين تشجيع المواهب الجديدة الصادقة من جهة، و تعميم ”الرداءة” باسم تشجيع المواهب من جهة أخرى. وأنا أتوقع أن الأسماء التي تصل يوميا إلى الساحة الروائية بما فيها من جميل ستمكن القارئ من التخلص من ”الواحد الأحد” في الرواية، وسيتحرر ”القارئ” من خلال الاختيار، وهذا هو جوهر ”مفهوم التحرير” الذي تمارسه الرواية و الروائي. والجميل أيضا في التجربة الروائية الجزائرية إضافة إلى تنوع الممارسة في لغات الكتابة ”عربية فرنسية أمازيغية” أن هناك عامل ظهور صوت المرأة في حقل الرواية و هي ظاهرة صحية في الأدب وفي تنوع حساسيات الكتابة وطرق مقاربة سؤال فلسفة الكتابة. ربيعة جلطي/شاعرة وروائية بعض الروايات استنساخ لتجارب سابقة بطبيعة الحال، توجد جدة وأصالة في الرواية الجزائرية ولكن ليس في كل الأعمال التي تصدر طبعا، لأنّ بعض الروايات هي مجرد استنساخ عن تجارب سابقة أو هي في طور البدايات، وبالتالي لابد أن تمرّ بمرحلة التأثر ويظهر عليها تأثير الآخرين لكن عندنا روايات كثيرة ومتنوعة ومختلفة عن بعضها البعض، أي أنّ المهم بالنسبة للكاتب أن يكون مختلفا. عندما أقرأ روايات سمير قسيمي أجد أنه يخطّ طريقه بفرادة وتميز، أو روايات عمارة لخوص له عوالمه الخاصة، روايات فضيلة الفاروق تطبعها خصوصية في الكتابة عن المرأة.. يجب القول إننا أحيانا نطالب الرواية الجزائرية على أن يكون لها شكل واحد، البعض يتحدث عن أصالة وهمية أو يدافع عن كتابة روائية ذات طابع أسلوبي تراثي.. لهؤلاء أقول إنّ الروائي حرّ يكتب بالطريقة التي يرغب فيها ويريدها، لذلك لا نريد تجارب تسير في فلك واحد ورؤية واحدة، لأنّ الكتابة عمل فردي بالأساس جوهره الموهبة والإبداع، فأنا أنظر إلى أنّ الجزائر قارة كبيرة ولا يمكن أن ننظر لها على أساس أن نكتب بشكل واحد. من يعيش في الصحراء أو مدينة كالجلفة أو الأغواط أو وهران أوالعاصمة، لكل خصوصيته، المكان ليس واحد، الروح ليست واحدة، الإحساس ليس واحدا، فلماذا نطالب من يعيش في الأغواط أن يكتب كمن يسكن في العاصمة.. فالسياقات مختلفة وبالتالي يجب احترام هذه الخصوصيات وتكريسها بدل أن نضع أنفسنا أوصياء على غيرنا، لا أحب أن تمارس وصاية على الكتّاب الجدد لأنني أعتقد أن كل كاتب يجب أن يفجر ذاتيته وحساسيته الخاصة، وبهذا في نظري تنجح الكتابة الروائية وينجح الأدب ونخلق أدباء عظام. بشير مفتي/ روائي
الرواية الجزائرية لازالت تبحث عن عصرها الذهبي! عبارة ”كما كان يكتب في السابق” التي وردت في سياق المقارنة بين رواية اليوم والأمس في الجزائر، والتي حملها سؤال الندوة تعطي حكما مسبقا فيه كثير من التعسف، وهو أن كل ما كتب في السابق جيد ورزين جماليا، ذلك أن الرواية الجزائرية لم تعش عصرا ذهبيا لحد الساعة، بحيث تطبع الرزانة والجودة فيه كل ما ينشر منها، سواء بالأمس أو اليوم ليس هناك إلا فرديات مبدعة، بعضها رحل، وبعضها استطاع أن يستمر، وبعضها طرأ، والبقية مجرد تسلقات فضح الزمن بعضها، وسيستمر في فضح من بقي. إن الرواية فن لا يمكن فصله عن اللحظة التاريخية التي تنتجه، حتى وإن كتب بلغة أخرى، لذلك علينا أن نراعي طبيعة اللحظة الجزائرية منذ ظهور فن الرواية فيها، وهي لحظة لا تقوم على التراكم الصحي، بل على القطائع السلبية بين المقولات والجماليات والأجيال، وهذا ما يبرر قولي إننا لا نستطيع أن نتحدث عن مشهد روائي في الجزائر بل عن فرديات، وإنه يتعين علينا مزيد من الترقب لمراجعة هذا الحكم. لعلنا من المشاهد النقدية والإعلامية القليلة في العالم التي لا يتم الانتباه فيها إلى عبقرية عمل روائي ما إلا بعد عقد أو عقدين، وهو زمن كاف لرحيل الروائي نفسه، وظهور غيره ممن يمكن أن يتجاوزوه ظاهريا بحكم غياب الرصد، وهذا يؤسس بالضرورة للفوضى والقفز على حق السبق، بل يؤسس للميوعة التي تجعل من الكتابة فعلا لا يساهم في تأسيس وعي جديد. عبد الرزاق بوكبة / كاتب وروائي هناك أعمال تفتقر إلى الميزة الجزائرية طبعا هناك جدة وأصالة في الرواية الجزائرية، سواء المكتوبة باللغة العربية أو بالفرنسية، لكن ربما النقد الوحيد الذي يعاب على الكاتب الجزائري أنّه لما تقرأ له تحسّ وكأنك تقرأ لكاتب أو أديب فرنسي أو مصري من حيث الشخصيات المتناولة والوقائع، التي تدلّ على غياب مميزات الجزائريين وواقعهم وحياتهم. لذلك أرى أنّ الأعمال الجيدة والمميزة هي تلك التي تتحدث عن مجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا، سواء كانت جميلة أو سيئة، أي بمعنى آخر تتكلم عن الإيجابيات والسلبيات وتنقلها إلى القارئ في الداخل والخارج، فمثلا تولستوي وتشوي فسكي تحدثوا عن روسيا في القرن 19، فيضحكني هنا بعض الكتاب الجزائريين لما يقولون لي نحن ننطلق من العالمية إذا كتبنا خارج واقعنا، وهذا غلط لأنّ العالمية تبدأ من الداخل.. تتحدث عن زوجتك، أسرتك، محيطك الاجتماعي، وغيرها. بالمقابل يوجد ثلة من الكتاب الجزائريين المقيمين بفرنسا ويكتبون لأجل أغراض تجارية، فحينما تقرأ له تتخيل نفسك تقرأ لكاتب فرنسي أتى إلى الجزائر، حيث لا يقدم لك ولو لمسة عن واقع بلادك بكل ما تحمله من نقائص أو إيجابيات. حميد ڤرين/ كاتب وروائي الرواية الحديثة تحتاج إلى مراجعة النص الروائي المغير يمكن أن يكون تكرارا للمنظومة السلبية الوافدة إلينا من الكتابة الأمريكية أوالأوربية التي خلقت انسياقات حضارية وثقافية وتاريخية، ومن ثم فإن التأثير بطريقة هذا الآخر أو الآخرين من المفترض ان تكون لكثير من الوعي والذكاء، بحيث تكون منسجمة مع البلد الذي يستوردها. وبشكل آخر يجب أن يعتمد التأثير على فعل التوطين ويبقى التعارض جذريا بين النص الروائي وبين مقام التداول. بشكل آخر فإننا نستطيع أن نتحدث عن حداثة تنطلق من الأنا أو من الذات حتى تكون لها هويتها الخاصة، وليست تطابقا مع رؤية الآخر وفلسفته وحياة الآخر، ما يعني أن بعض الحداثة كما هي مفهومة في الجزائر والوطن العربي تحتاج الى مراجعة جذرية، لأنها في القالب لا تأخذ في الحسبان خصوصيات المجتمعات العربية كالتقاليد، الهوية والتفاصيل التي تخص الجزائر والمجتمع العربي بشكل عام، ما ينطوي هناك حداثة مستقبلية في كثير من الاستلاب مع استنادات. هناك كتاب مرتبطون بحياتهم الخاصة وحياة مجتمعاتهم ككاتب ياسين ومولود فرعون، والذي يعد أكثر أصالة بكتاباته لا يمكن تجاهل هؤلاء الكتاب في الوقت الحديث. ولكن ما يمكن قوله في قضية الرواية الحديثة فهي لاتزال تحتاج إلى بعض المراجعة. السعيد بوطاجين/ ناقد ومترجم يمكن أن ينزلق من الواقع أفضل الإبداعات الأدبية العمل الإبداعي لا يجب أن يطابق الواقع من جهة وغير مشروط عليه، كما يمكن أن ينزلق من الواقع أفضل الإبداعات الأدبية، وهو الذي يفرضه وهو الجانب الذي تغيبه فكرة الإهمال، والذي يمكن اعتباره شيئا هينا اتجاه فكرة العمل الأدبي، وبالتالي وجب علينا أن نتسائل هل هذا العمل يفرض واقعا مغايرا، خاصة إذا عجزت تقديم هذا الأخير وأصبح يردد واقعا مبتذلا، ربما يصبح أثرا و يتحول إلى مجرد مخزن متكلفا مشابها للغة النص الأدبي بمختلف ألوانه الفنية. النصوص الروائية التي تملأ رفوف مكتبة، والتي يقال عناها المكتبة الوطنية ولا تجيد رؤية أفق جديدة يتجاوز أفق ما هو رسمي عندنا بكل بساطة. كما يجب محاكاة هموم الفرد داخل ذلك المجتمع، والغوص في علاقاته الاجتماعية، وموقعه في كل ذلك وتبيان الصراعات والتناحرات بين الأفراد، وضرورة اهتمام المتن الروائي بالجانب النفسي للفرد، والغوص في مكنوناته الداخلية وسبر أغواره النفسية سواء ما تعلق بالجانب العاطفي أو كيفية تفكيره ورؤاه لأن الأدب هو مرآة عاكسة للمجتمع المعبر عنه،فالروائي الجزائري يتجه في تصوراته نحو الأدب العالمي والواقعي، خاصة أن هؤلاء الكتاب خاصة من الجيل الجديد تأثروا بالميكانزمات المتناقضة، التي يعيشها العالم مع استناد لتوظيف الإمكانيات الأدبية والإبداعية لعمل أدبي روائي يرتقي لمستوى الروايات العالمية التي تنتج فكرا أدبيا خاصا بعيد عن أشكال الروايات التقليدية التي تعودنا عليها، وهو الأمر الذي نحتاج إليها في الوقت الراهن. شرف الدين شكري / كاتب وروائي صناعة الإبداع لقد أجرى البروفيسور ”هاو” وفريقه دراسة على المبدعين فاستنتج: ”أن المواهب تحددها التدريبات وليست القدرات الذاتية”. وهذه الدراسة أثبتت الأيام صحتها، فعلم التنمية البشرية الذي يدرس ظاهرة الإبداع وكيفية اكتشاف الطاقة الكامنة يقرر أن كل إنسان يستطيع أن يكون مبدعا. فكل ما قرأناه قديما - أن المبدع الحقيقي هو من يملك الملكة والموهبة - تجاوزه الزمن، فالإبداع يبدأ بالرغبة في الشيء ثم الدربة أوالممارسة أو التدريب، فكم من كاتب لم يفكر يوما في الكتابة وفجأة يجد نفسه يخوض غمارها وهو البعيد عن مجالات الأدب. فهذا الروائي الكبير، عبد الرحمن منيف، درس البترول وتحصل على شهادة الدكتوراه، وأول رواية كتبها كان قد تجاوز الأربعين، أي قبل الأربعين لم يكن يتصور أحد أن عبد الرحمن منيف سيكون روائيا كبيرا. وهذه الكاتبة الإنجليزية جيكي رولينغ، من كان يسمع بها، معلمة لغة فرنسية مطلقة من زوج باكستاني تعيش في حي فقير مع ابنتها لم يسبق لها الكتابة، فإذا بها تطل على العالم بعد الثلاثين بقصة ”هاري بوتر” فتبيع منها أكثر من 60 مليون كتاب وتصير أغنى امرأة بعد الملكة إليزابيت. ولا نغفل أيضا الروائي ”باولو كوهيلو” كان في مجال الغناء ثم تحول إلى الإبداع الروائي فباع من كتبه الملايين، فلا نتعجب عندما نجد في أمريكا معهدا لتكوين المبدعين، يتعلم فيها الكاتب المبتدئ تقنيات الكتابة وفنياتها. الإبداع والخيال على المبدع مهما كان أن يملك القدرة على التخيل حتى إلى الوحشية، يقول لويس برانزر ”الافتقار إلى الخيال يؤدي إلى الوحشية”. أما كريستوفر فرادي فيقول عن الخيال هذه المقولة الرائعة: ”حاسة الخيال الحاسة السادسة، هي أول الحواس التي يجدر بنا الحذر من إهمالها لئلا تصدأ، أعني بهذا: العين المفتوحة التي تقودنا إلى رؤية الحقيقة بإشراق وتألق أكثر وإلى الإدراك المطلق الذي لا يعرف حدودا، وعلى فهم أنفسنا بشكل أعمق لنكون حس مرهف ويقظة تامة لكل القوى والمسؤوليات المعطاة لنا”. لهذا أنا أشاطر القاص سعيد بوطاجين، عندما يتهم الأدب الجزائري بالرداءة، فهو أدب يكرر الواقع أو يستنسخه، أدب سلبي يسير في العتمة، إذا طبقنا عليه معايير الإبداع العالمية لا يمكنه أن يصمد. فقد استقر العلماء والفلاسفة على أن هناك معيارين يمكن على أساسهما اعتبار العمل إبداعيا أم لا وهما: الجدة والأصالة: ”فالإبداع في خلاصته لابد أن يكون فكرة جديدة تقدم شيئا غير مألوف ويبتعد عن التكرار”. القيمة والملاءمة بمعنى أن يكون العمل قيما ومفيدا للشخص المبدع والمجتمع الذي يعيش فيه. من خلال هذين المعيارين العالميين نتساءل هل الرواية الجزائرية فيها جدة وأصالة، فالروائيون الجزائريون متاثرون بمدارس الغرب، لماذا لا يخلق الروائي طريقة سرد جديدة من خلال قراءته المتبصرة للتراث؟ بدل اجترار نظريات الغير التي جاءت تعكس بيئتها رغم أن تاريخنا السردي يمتد إلى قرون ”قصص القرآن الكريم، كليلة ودمنة، ألف ليلة وليلة”. والسؤال الثاني: هل الرواية الجزائرية فيها ملاءمة للبيئة ؟ إني متيقن أن سبب عزوف الجزائري عن قراءة الروايات الجزائرية هي أنها روايات لم تكتب له، فاللغة الجافة القاحلة والاستغراق في الجنس، وتجاوز ما هو مقدس باسم حرية الإبداع التي لا حدود لها.. كل هذا يجعل القارئ المتشبع بتاريخه وموروثه الثقافي و الحضاري ينفر من هذه الكتابات. فقد استحق الكاتب البرازيلي ”جورجي أمادو” أن يكون أديب الشعب لأن رواياته تنطلق من معاناة شعبه وتاريخه وثقافته وكذلك الكاتب العالمي ”غارسيا ماركيز” جعل من أساطير أمريكا اللاتينية، وبالخصوص كولومبيا، مصدرا للإلهام فكانت الواقعية السحرية التي سحرت الغرب. وختاما أرجو من كتابنا أن لا يستسهلوا عملية الإبداع فيجرون وراء كل نظرية أدبية باسم الحداثة الموهومة، وفي نهاية المطاف لن يحصلوا لا على العالمية ولا حتى على المحلية. شدري معمر علي/ ناقد