أحلام الشعراء جميلة، طوباوية النزعة، تسير في عالمها مع سلطة الخيال، لا سلطان للأنظمة على حدودها ولا حدود وضعية على أرضها.. القصيدة جرعة زائدة من اليقين بالجمال.. بالأمان وبالمتعة التي تخلو من النكد... من هذه الرؤية الحالمة سنحاول قصف النكد التي يستولي على حياتنا وحياة شعرائنا، سنحاول في هذا العدد مجاراة الحلم، سنحمل حلما سياسيا، من أجل غد أفضل ودستور أفضل.. الحلم يقول إن بوتفليقة في نهاية مساره السياسي، لن يلعب بالبلاد، بل سيعود الدستور إلى أول قراره وسيخلص الجزائر من عهدة ثالثة.. سيعلن ذلك في خطابه القادم إعلان ذلك بوضوح، بالتأكيد لن يمدد في العهدة ولن يترك العهدات مفتوحة من بعده على الأقل من باب النرجسية لن تصادف الجزائر رجلا مثل بوتفليقة في كل مرة. حاولنا الاتصال بعدد من الشعراء من أجل الحكايتين، حكاية الحلم وحكاية الموقف السياسي.. من الهام أن يكون هناك موقفا سياسيا حتى ولو كان حلما. خالد بن صالح: ”لابد من محاكمة العتمة لنرى الضوء” الشاعر خالد بن صالح صاحب ديوان ”مائة وعشرون مترا عن البيت” يفصح عن أحلامه وكوابيسه معا ولكن هذه المرة يبعد كثيرا عن البيت ويقول لنا: ”كثيراً ما يحملنا الحلم على اكتشاف ممرَّات خفية للحياة، اختراعُ طريق الغايات الجميلة ليس حكراً على الشعراء والمشتغلين بشغفٍ في مختلف مجالات الفن والإبداع وإن كانت هذه اللغة الشفافة مستعصية على الفهم، إنما هي كالماء العذب تحفر في الحجر منذ الأزل لتسمح للشمس بالدخول إلى كهوف سادتها العتمة، لهذا ربما نحن نكتب ولهذا لا زالَ المصابون بالأمل مثلي يتبعون بارقة الضوء تلك، يتعثرون ويعاودون الحلم كلازمة، كمناص وككائن لا تحتمل خفته. لم يعد المشهد ضبابيا كما كان في سابق أيام التاريخ، حتى الوضوح بالشكل الذي يبدو اليوم متصدعا يبعث على طرح أسئلة كثيرة، أسئلة تتعلق بمستقبل الجزائر وما نأمل أن تكون عليه، ليس طبعا بهذه السذاجة السياسية وإنما انطلاقا من معطيات ومتغيرات يفرضها الراهن وما ترتَّب على مسارات سابقة لم تكن كلَّها صحيحة وإن كان ظاهرها يوحي بعكس ذلك. فبأي حال من الأحوال لا يمكن أبدا المقارنة بين عشريتين إن صحَّ التعبير تبدآن من 92 ونضيف لهما ما يكفي من الزمن للوصول إلى سنة 2014، هزَّات عصفت بالبلاد وأدخلتنا في دوامةٍ لا أظننا سلمنا منها بما يلزم للسكوتِ عن وضعنا الحالي وعدم الخوف من الانزلاق في متاهات أخرى قد يكون مصيرها أكثر سواداً من قبل. أنا شخصياً، ما دمنا نتحدث في هذا الملف عن أحلام الشعراء، مع إلغاء العهدة الثالثة دون إحالة لأي شيء ثان يخالف أزمة الحرية المطروحة على أكثر من مستوى، هذا أمرٌ مسنودٌ إلى إرادة الشعب بالدرجة الأولى ولعلَّ الحراك الذي تشهده الدول العربية والثورات التي أطاحت ليس بالأشخاص إنما بسنوات طوال من احتكار السلطة، من البقاء لعقود مستنسخة في المنصب ذاته إلى درجة التكلس، مبدأ التداول مبدأ ديمقراطي ولا يوجد أي مسوغ سياسياً كان أم اقتصادياً يقول بعكس ذلك، هناك نقطة مهمة جدا أريد أن أنبه إليها وتخصني كشاعر ومثقف، لا يندرج رأيي هذا في أي ضفة من ضفاف التطبيل أو المعارضة المفبركة والتي عادة ما تطفو في هذا الوقت على سطح بركٍ عكرة تصلح لصيدٍ ثمين مضللة بذلك من يثق بها. إنما أقول هي قناعة متأصلة، حلم مشروع في التغيير والأمل في وضع أحسن. التجارب التاريخية القديمة منها والحديثة، أثبتت أنَّ المدة الزمنية المحددة للعمل السياسي الجاد كفيلة ببناء الأوطان والتأسيس لمبدأ التداول الديمقراطي الذي يتيح الفرصة للشعب كي يختار من يمثله ويخدمه ولا داعي لقول المسؤولية تكليف وغيرها من الشعارات التي سقطت من القاموس السياسي لأزمنة طويلة، ولا بدَّ من محاكاة العتمة لنرى الضوء، فالحرية المنشودة والديمقراطية والممارسة السياسية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق في ظلِّ انسلاخ السلطة عن الشعب والتفكير بمنطق أحادي والتمكين للوصفات الجاهزة مسبقاً دون محاولة جادة لتبني مشروع مدروس ومتقارب مع طموحات الشعب في الاستقرار والأمن وتحسن مستوى المعيشة ومن ثمة التفكير في مجالات أوسع للعمل والعطاء. الأنظمة الشمولية أثبتت وتثبت فشلها اليوم وما ينجر عنها من فساد وتشويه لا يترك مجالاً دون خلل أو عطب مزمن، وهو ما يجعل العلاقة مع الناخب ومن له حق الاختيار والضحية الأولى إذا ما كانت الأوضاع متردية، علاقة مريضة وعدائية تفتقد إلى الثقة اللازمة وتقاسم مسؤولية التنمية، على أن تعمل القوى السياسية ومختلف الأطياف على رفع مستوى الوعي والنضج اللازمين لذهنية المجتمع بصفة عامة. قبل الختام لا ننسى أن الكابوس لا تفصله عن الحلم إلا ”تقلابة وحدة”، ومجاورة فعل الكتابة هنا تنطلق من قناعتي أنَّ الأشياء على تقاربٍ ولا يمكن فصلها بصخب العبارة أو ضجيج الكلمة الخالية من أي روح تأكيدا على ما كتب كونديرا ”كلُّ شيء نعيشه دفعة واحدة، مرةً أولى ودون تحضير، مثل ممثل يظهر على الخشبة دون أي تمرين سابق ولكن ما الذي يمكن أن تساويه الحياة إذا كان التمرين الأول الحياة نفسها؟”، أقول هذا حتى لا تكون أيامنا مجرد رجع صدى، لأن الحمل الذي على أكتافنا مؤلم بخفته. عادل صياد: ”عندما اغتصب الدستور بعهدة ثالثة.. ودعت الشعر” من الصعب أن تطرح سؤالا على شاعر أعلن وفاته، وربما لم يحدث هذا من قبل في أي زمن من أزمان الشعراء الذين لازموا كل الطوائف والحكام، عادل صياد يخبرنا عن الكثير من العفن، كذلك عن السياسة القذرة التي كانت من أسباب التخلي عن الشعر: ”منَ المؤسف والمحبط أن تظلَّ مسألةُ تعديل الدستور حكرا على المجموعات المتصارعة على السلطة والريع، ولا علاقة لها أبدا من حيثُ هي القانونُ الأساسيّ للأمة، بالفعاليات الحقيقية للمجتمع ونخبه. لقد تمّ تقحيل الحياة السياسية، وتدجينُ النخب بما أوصلنا إلى حالة من اللاوعي الجماعي بمصيرنا، الموكلة صياغة بنوده إلى موظّفين متخصّصين ومدعوين إلى التزام تحقيق التوافق بين المجموعات المتصارعة، وليسَ بما يحفظُ الحقَّ الرئيس للجزائريين في الحرية، العدالة وسيادة القانون. عندما اغتصبَ الرئيسُ الدستورَ لفتح العهدات الرئاسية، بما يتيح له عهدة أبدية، ورَفَعَ نوابُ الشعب أياديهم و”أرجلهم” وحتى ”أصواتهم” مهلّلين بهذا الإنجاز التاريخيّ، شعرتُ لحظتها أنَّ حلمي بمواطنة طبيعية قد تمّت مصادرتها إلى الأبد؛ وقمتُ من موقعي كشاعر ”آنذاك” بدفن كتبي ومخطوطاتي وأعلنت بلا أسف أو ندم موتي.. لأنني شهدتُ تراجعا شنيعا على دستور 1996 المحدّد للعهدات والحافظ لشرف التداول السلميّ والديمقراطيّ على السلطة، ودخلت من يومها في شيخوخة مبكّرة. وعلى هذا الأساس أعتقدُ جازما أنَّ التعديل الثالث للدستور في عهد الرئيس الحالي، استمرار لسياسات الاستخفاف بالشعب واعتباره ”قاصرا” لم يبلغ بعد سنَّ الرشد وصنع مصيره، طالما أنَّ النافذين في السلطة والضالعين بتقسيم خيرات البلاد، هم دون غيرهم، من يعنيهم تعديل الدستور وتطريز مواده وفقَ ما يحفظُ سطوتهم ويطيل من أمد بقائهم بعيدا عن عصر المؤسسات: المؤسسات التي تسائل، تراقب، تثبّتُ وتُنحّي. وإذا كان لبرلمان الحفافات والخياطات وعاملات النظافة وتجار الزطلة والممنوعات أن يقرروا بهذا الشأن، فتلك مرحلة مقصودة لحياكة دستور على مقاس ”المؤخرات المغرية” و”الصدور شبه العارية” في قاعة حفلات السي ”جلول” المبتهج لا محالة بخروج تاريخيّ بهيج من الحياة على وقع الزغاريد والبارود ”العراسي”، وتسليم المشعل إما لراق شرعيّ من فصيلة بلّحمر وإمّا لغانية من طيابات الحمامات.. لتكتمل المأساة. حلمي أن يتوقّف هذا العبثُ وأترشّحَ لمنصب مواطن يضمنه اختياري ومساهمتي في صياغة بنود دستور يليق بحجم بلد شهيد مثل الجزائر. توفيق عون: ”الإصلاحات هي التي جاءت ببلحمر” عدد كبير من الشعراء رفضوا الحديث إلينا، البعض قال لنا إن الحديث في السياسة تتطلب موقفا وليس حلما، وكان هذا جميلا إلى حد ما، لكن الكثير منهم لا يزالون وراء القصيدة لا يبدون موقفا واضحا حتى أن السياسي لم يعد ينتبه إليهم ولا يكترث برأيهم.. توفيق عون، من الشعراء الذين يكتبون منذ أكثر من عشريتين تخلى عن منصبه في فرع اتحاد الكتاب غير أنه قدم لنا موقفه من تعديل الدستور وحكايات العهدة الرابعة فحدثنا عنه: ”أصبت بخيبة كبرى وأنا أشاهد قناة فضائية هي نتيجة إصلاحات وطنية وهي تعرض تحقيقا حول الأفعال المخلة بالعلم، العقل، المعرفة والحكمة التي يمارسها الدجال المشعوذ صاحب اللون الفاقع في عيادته بغرب البلاد، وتأسفت كثيرا للوضع الذي آلت إليه البلاد وقررت أن أرفع شكوى إلى فخامة رئيس الجمهورية أطلب منه نفي المشعوذ وغلق الإصلاحات التي أهدتنا هذه الحمى الحمراء ونزع الجنسية من المواطنين الذي يتدافعون أمام مقر عيادته، وقبل أن أشرع في كتابة الرسالة أخذت قيلولة حتى استيقظ بذروة نشاطي وحيويتي وسلامتي العقلية. خلال تلك القيلولة حلمت أن فخامة الرئيس جاء في زيارة إلى ولاية تبسة، وطلب من والي الولاية أن يستدعيني للقائه فكلف السيد الوالي النائب محمد جميعي للاتصال بي، المهم جاءتني السيارة الفخمة وأقلتني على جناح السرعة إلى مقر إقامة فخامته لن أحدثكم عن عدد المعابر التي مررت بها ولا عن المحطات التي فتشت فيها، كان آخرها جهاز سكانير يكشف عن آخر الجمل المركبة الجاهزة للخروج من عقلي ونوايا خلال 24 ساعة المقبلة... وفي النهاية وجدت نفسي في حضرة فخامته بدا لي لا يشبه الصورة مطلقا كان صغيرا وطويلا وبكامل قواه العقلية والصحية وبلا موستاش، حاولت أن أعبر عن استغرابي لكنه نهرني قائلا: أنا هو عبد العزيز بوتفليقة، ولا يغرنك الشكل، تلك صور نروج لها في التلفزيون أما أنا فهو الرئيس الحقيقي وواصل يخاطبني بقسوة وقوة كأنه يصرخ، أنا صنعت بلحمر وأنا أمرت ببناء عيادته وأنا الذي جيّشت الناس لتتدافع أمام باب عيادته ، أنا من فتح ملفات الخليفة وأنا من آمر بفتح ملفات سوناطراك وأنا من تخلى عن بن بوزيد وشكيب خليل وأويحي وبلخادم وغيرهم وأنا من سيعدّل الدستور وسأخطب فيكم أجلا لأعلمكم بما سأقرره بخصوص العهدات الرئاسية وستكون قراراتي صارمة ولو تطلب الأمر الاستغناء عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المهم أبقى أنا... استيقظت مفزوعا وأنا أردد من يحكم... من يحكم؟؟ بغداد السائح: ”هذا أحسن ما عندنا” ومع ذلك هناك من يقف في واجهة ما.. ويحلم بمنطق ما.. هو ذاته التي تشاركت كل العهدات السياسية في بنائه، على أساس أنه لا يوجد هناك بديل لبوتفليقة فوق هذه الأرض... الشاعر بغداد السائح يقول لنا: ”رغم اختلافي كشاعر مع كل الأنظمة العربية المعروفة باستبدادها وعشق زعمائها للكراسي أجدني أقول أمام مجتمع يتعارك أفراده على مصالح شخصية وينظرون للجزائر وكأنها غنيمة حرب فإن هذا الرئيس حتى ولو لم يلغ العهدة الثالثة فهو الأحسن لهذه المرحلة بكل سلبياته لا لشيء إلا أن شعوبا غارقة في أنانيتها لا تستحق زعيما صالحا.. ما أحلم به شخصيا ليس إلغاء العهدات بل مرحبا بملك عادل همّه الأول خدمة شعبه وتنظيفه من درن السياسات الجمهورية السابقة.. أن نحلم بعدالة نسبية مع جملوكيات أفضل من أن نلغي عهدات للتخلص من زعيم تغوّل الفساد في فترة حكمه.. الكابوس الأكبر أن ما وراء بوتفليقة مجهولة ولن أكون متشائما إذا قلت إن ما بعده سيكون أسوأ ما دامت الآلة التي تنتج الرؤساء في الأخير تبحث عن أفضل صمّام أمان لها..”. ”ورطة الحلم... وترشح للمواطنة”: جاءت أحلامهم على مقاس شعب.. عادل صياد، يقول إنه يستعد للترشح حتى يحصل على مواطنته في هذه البلاد، وبالتالي لا يمكننا على الإطلاق أن ندفع بالعجلة مع هؤلاء الذين يدفعون العجلة.. قبل هذا كانوا في ساحة الشعر يحلمون معنا.. أيها القارئ العزيز لقد فقدنا الاتصال بالنواب والنائبات وحتى برئيس البرلمان حتى نتحدث عن حلم سيحدد قريبا سواء مع لجنة سلال أو مع خطاب غير متوقع لرئيس لا يخطب.