أصدقكم القول أنني ترددت طويلا قبل أن أكتب هذا المقال، من منطلق أن التضامن بين النساء واجب خاصة في محيط يعادي النجاح المؤنث في جميع المجالات. ولكن المنحى الذي أخذته السيدة نعيمة صالحي، مؤخرا، في تهجمها على الإعلاميين وكل من يخالفها الرأي وجدت أنه من واجبي المهني التوقف ولو قليلا عند هذه ”الظاهرة السياسية”. وحتى لا تتعب السيدة صالحي نفسها في البحث عن أصلي وفصلي كما فعلت مع الزميل أسامة وحيد، أخبرها أنني ولدت ودرست في الجزائر ولديّ في عائلتي أيضا أكثر من عشرة شهداء من حرب التحرير إلى زمن الإرهاب، وأبي كان يكره فرنسا في ”الدم” رغم أنه كان رحمه الله من الجيل الثاني للمهاجرين. كما أحيطها علما أنني مسلمة موحدة وأصلي خمس مرات في اليوم، وأخبرها أيضا أنني محجبة وأضع خمارا في أغلب الأحيان أسودا وليس فيه ما يدفع للإغراء ولدي حساسية من الماكياج، كما أتحسس من الكتابة بالأسماء المستعارة، وأنني لست من أنصار لويزة حنون التي أصابها هي الأخرى ”طكوك سياسي”. وحتى لا أكون متجنية على السيدة التي وصفت الصحفيين بالأقلام المأجورة، بحثت في سيرتها ”السياسية” فوجدت أن لها ماض ”مأجور” وعريق في نسيان تصريحاتها والانقلاب على مواقفها. فويكبيديا تخبرنا أن نعيمة صالحي ”تنتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين العالمي، وسبق لها أن كانت ناشطة في حركة مجتمع السلم، كما كانت أيضا رئيسة مؤسسة الاتحاد من أجل إطارات الجزائر التي تأسست كهيكل جمعوى عام 2003 ”. هذا الهيكل الجمعوي حولته نعيمة صالحي وجندته من أجل دعم فخامته في انتخابات 2009، وربما تكون السيدة قد نسيت في غمرة مشاغلها السياسية والحزبية بعضا من ذلك التاريخ. لهذا سأعمل على تذكيرها ببعضه من باب ”وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين”. في جريدة ”صوت الأحرار” في فيفري 2009، قالت السيدة صالحي ردا على السؤال.. ما الذي دفعكم إلى دعم الرئيس بوتفليقة في الرئاسيات المقبلة؟ فردت ”إن الاتحاد الوطني للإطارات من أجل الجزائر الذي ولد من رحم برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كان مرافقا لمختلف ورشات البناء والتشييد التي شرع فيها منذ 1999، وذلك عن طريق تنظيم الندوات والملتقيات والأيام الدراسية والإعلامية وجلسات البحث والنقاش والإثراء، حيث نظمنا في هذا الشأن أكثر من 16 نشاطا وطنيا فضلا عن التظاهرات والملتقيات الولائية وكذا الجامعات الصيفية السنوية، بالإضافة إلى المشاركة الفعالة في مختلف الحملات الانتخابية، وعليه فدعمنا للمترشح الحر عبد العزيز بوتفليقة يعتبر منطقيا وأقل واجب لرجل المصالحة الوطنية الذي تتحدث عنه إنجازاته المُجسدة في الميدان”..”إن العهدتين الماضيتين تحققت فيها مشاريع وإنجازات عملاقة كان الكثير منها حلم الجزائريين، وتعتبر إنجازات القرن ولا يستطيع إنكارها إلا جاحد. ونحن نعمل مع مختلف الفعاليات لتمكين الرئيس بوتفليقة من مواصلة مشاريعه التنموية وكذا المصالحة الوطنية”. في 13 مارس 2004، صرحت صالحي ليومية المساء:”الشعب مدعو اليوم لاختيار الرجل القادر على مواصلة مسيرة السلم والمصالحة واستكمال مسيرة البناء والتشييد وإعلاء راية الجزائر”. وفي 22/ 04/ 2012 قالت نعيمة صالحي ل”الشروق”: ”علاقتي مع الرئيس ساعدتني في حل الكثير من أزماتي، الرئيس بوتفليقة إنسان جد متواضع”. كان هذا قبل أن تصير نعيمة صالحي رئيسة لحزب العدل والبيان الذي اتخذت له من ”الباءات الثلاث (حاشا للباءات الثاثة التاريخيين) أرضية، من العربي بن مهيدي و عبد الحميد بن باديس ومالك بن نبي. في 13/ 04/ 20013 قالت نعيمة صالحي، ليومية المساء، إن ”المؤسسة العسكرية عليها أن تتدخل لإنقاذ الشعب من مخالب وأجندات المافيا التي باتت خطرها مضاعفا مؤخرا . في 02/ 04/ 2013 قالت صالحي ليومية السلام ”بمجرد إبداء رأيها السياسي المعارض لترشح رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رابعة حتى تلقت على جناح السرعة قرار تنفيذ الحكم الجائر دون غيرها من المعنيين بالأحكام التنفيذية”. بهذا المنطق تكون السيدة صالحي ”نكارة” خير الرئيس الذي قالت إنه ساعدها وأنه ”رأس مال الجزائريين”.. يا ريت تقول لنا السيدة ما هو الفرق بين الرئيس الذي ساندته في 2009 والذي تعارضه اليوم؟ ومن حقنا كمواطنين أيضا أن تخبرنا رئيسة الحزب ما هي علاقة معركتها مع وزارة التضامن في قضية السكن الوظيفي واهتمامات المواطنين؟ وقالت أيضا على صفحتها على الفايس بوك، إنها ميسورة الحال وتصرف على حزبها.. فلماذا لا تشتري بيتا وتتنازل عن بيت الدولة؟ لأن إنشاء الأحزاب - حسب علمي - يكون من أجل الدفاع أيضا عن المصلحة العامة وليس المصالح الشخصية. نعيمة صالحي قالت إن دفاعها عن قانون الأسرة هو الذي دفع السلطة إلى الضغط عليها ومحاولة إخراجها من سكنها الوظيفي، مع العلم أن آخر نقاش وتعديل حول قانون الأسرة كان في عام 2005، وقضية السكن الوظيفي أثيرت هذا العام. وحتى لو صدقنا السيدة صالحي وافترضنا أن قضية سكنها الوظيفي تتعلق بموقفها من قانون الأسرة، فإن أرشيف التاريخ القريب يحتفظ للسيدة صالحي بمواقفها في مجلس المرأة و الأسرة الذي أسسه الرئيس وكانت هي عضو فيه، حيث قادت معركة ليس من أجل حقوق المرأة بل من أجل ترشيحها لمنصب الرئاسة، وعندما وصلت السيدة متأخرة ووجدت أن مجال الترشيحات أغلق غادرت حتى دون أن تحضر الأشغال!. واليوم من حقنا كمواطنين أن نتساءل لماذا منحتها السلطة اعتمادا للحزب في الوقت الذي لم يمنح لغيرها رجالا ونساء كثيرات إذا كانت فعلا معارضة شرسة للسلطة؟. وإذا كانت فعلا نعيمة صالحي لم تتحول إلى معارضة للنظام من أجل سكن وظيفي، عليها أن تقنعنا كمواطنين لماذا انقلبت من الدعم اللامشروط للسلطة إلى المعارضة الشرسة، وما هو الشيء الذي تغير؟ ما دام حتى أعضاء الحكومة تم الاحتفاظ بهم في مناصب أخرى في مجلس الأمة؟. السيدة صالحي التي قالت في حوار ل”الشروق” إن ”أبو جرة سلطاني كان أستاذها وكان يحاول أن يتقرب منها في الجامعة لدعوتها إلى صفوف الإخوان”، لماذا لا تذكر أيضا خير الرجل الذي منحها مسكنا بقرار وزاري في بئرخادم يوم كان وزيرا للحماية الاجتماعية، وقد سكنت هي البيت في سنة 2000 بعد أن قام زعيم حزب حمس بسحبه من سيدة أخرى؟. و من المفروض أن السيدة التي تناضل من أجل حرية التعبير والنزاهة أن تناضل أيضا في اتجاه أن يتخلى كل الموظفين السابقين عن مساكنهم مادامت مهامهم الوظيفية قد انتهت، وأن تعطى المثل في الدفاع عن الشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد، لا أن تحول قضية مسكنها الوظيفي إلى ”قضية يتبناها شعب الفايس بوك”. ”المرأة الجسور التي يعلم بوتفليقة أنها لا تساوم عل مبادئها” فتحت النار أيضا على لويزة حنون لأنها تدعو للنضال النسوي على الطريقة الغربية، وهل تعرف نعيمة صالحي أن بركة النضال الغربي الذي قادته لويزة حنون وغيرها من نساء هذا البلد، هي التي جعلتها اليوم تقود حزبا وتتطاول على الناس، لأنه حسب علمي لا يؤمن الإخوان بالنضال النسوي خارج ”مثنى و ثلاث و رباع”، وأستغرب كيف لمناضلة سياسية لا تعرف تاريخ 8 مارس حتى ولو كانت لا تتفق مع هذا الاتجاه، فإن العلم بمثل هذه الأمور للسياسية هي أكثر من واجب ؟ فلا أذكر أن هناك مناضلة جزائرية مهما كان لونها السياسي ادعت أن النساء يطالبن بالزواج بأربعة رجال. شيء مؤسف حقا أن يتحول السكن الشخصي لرئيسة حزب إلى ” قضية شعب”، وشيء مؤسف حقا بل يدعو”للندب بالقرداش” أن ينزل مستوى النقاش بالسيدة إلى تهديد صحفي كتب ضدها وهي شخصية عمومية بقولها ”إذا حلف فيك الراجل بات راقد وإذا حلفت فيك امرأة بات قاعد”!. مؤسف حقا أن تخاطب السيدة صالحي صحفي بالصويحف وآخر بالقلم الأجير وآخر بالكلب، لمجرد أنه كتب ضدها وضد قناعاتها. مؤسف جدا أن تفكر امرأة سياسية بعقلية ”نلعب ولاّ نحرم” عندما دعيت إلى إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية لأنها مزورة، وفوز حزب جبهة التحرير كان مهزلة”، ومؤسف أن تستنجد نعيمة صالحي اليوم بالمؤسسة العسكرية وهي التي قالت أن ”التزوير وقع من خلال عدة مؤشرات أهمهما تسجيل أفراد الجيش والأمن خارج الآجال القانونية، وتوجيههم للتصويت لأحزاب السلطة، واستعمال وكالات التصويت لذات الغرض ”النهار الإثنين 15 أفريل 2013م الموافق ل 4 ج الثانية 1434 ه”، وهي التي قالت من قبل ل”صوت الأحرار” إن ”الحديث اليوم عن ظاهرة التزوير يعتبر من المزايدات السياسوية، ذلك أن المنظومة القانونية التي تنظم العملية الانتخابية والإجراءات العملية المتخذة في هذا الإطار وكذا آليات الرقابة وتعليمات رئيس الجمهورية تعتبر أكبر ضمان”. مؤسف حقا أن تكون نعيمة صالحي مصابة بالأمنيزيا وهي في ريعان الشباب السياسي، قد لا يكون الذنب ذنب السيدة صالحي لأن الزمن ليس زمن النضال، و لا هو زمن الطرب الأصيل و أن نساء اليوم لا يطلقن لأنهن لا يحسنّ ”غسل الدوارة”.