من المفارقات العجيبة في زيارة مفتي الانقلابات في الوطن العربي القرضاوي، هو تقديم اسماعيل هنية، رئيس الحكومة المقالة، الجنسية الفلسطينية له وجواز سفر ديبلوماسي، في الوقت الذي يعيش فيه الملايين من فلسطينيي الشتات محرومين من الجنسية ومن جواز سفر فلسطيني. وما لم تقله قناة الجزيرة التي رافقت الزيارة بالكثير من التطبيل، إن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية رفضت استقبال هذا الضيف المنبوذ، مثلما اعترضت عنها السلطة في الضفة الغربية. زيارة القرضاوي وتأييده لطرف على حساب الطرف الآخر، المتنازعين في فلسطين، من شأنها أن تكرس الانقسام أكثر بين الفلسطينيين، مثلما حدث ذلك منذ أشهر مع زيارة مماثلة لأمير قطر وحرمه. ثم كيف لشعب انتزعت منه أرضه وشرد شعبه عبر بلدان العالم، أن يرحب بهذا المفتي الذي يعترف بإسرائيل ويطلب منها ضرب سوريا وإسقاط صدام مقابل ضمان حكومات الربيع العربي لأمن إسرائيل؟ أليس في هذا انفصاما للشخصية العربية والفلسطينية على الخصوص، فلا يمكن للفلسطيني المقاوم لهذا العدوان أن يضع يده في يد هذا المخرب، الذي لم يساعد فقط على هد البلدان العربية فحسب، بل خرّب العقل العربي، بفتاو جعلت من الأعداء أصدقاء ومن الأصدقاء أعداء، وأتلفت بوصلة القضايا العربية. ثم ماذا جنت القضية الفلسطينية من هذا الرجل، الذي شحذ الهمم لإسقاط القذافي وما زال يحاول لإسقاط بشار في سوريا، لكنه في المقابل لم يدع يوما إلى الجهاد في فلسطين، بل على العكس، يلتزم الصمت إن لم نقل التأييد إذا تعلق الأمر بمصلحة إسرائيل. لم يخطئ من رأى في الزيارة تكريسا للانقسام، بل أكثر من ذلك دفنا للقضية الفلسطينية برمتها، فهو جاء ليتحدث على غزة لا على القضية الفلسطينية، وليؤيد حماس لا الشعب الفلسطيني الذي قزمه في ”شعب غزة” مثلما قال، وعندما نفى الحركة المقاومة التي قام بها الشعب الفلسطيني طوال عشرات السنين، حيث قال إن أهل غزة هم من حملوا راية الجهاد، وداس بذلك على تاريخ رجل في حجم عرفات وعلى تاريخ امرأة في حجم دلال المغربي. القرضاوي باع الكثير من الكلام الفارغ لمستقبليه في غزة، بل ضحك على ذقونهم وهو يقول لا يجوز أن تفرطوا في ذرة من ترابكم، وأن الشعب الفلسطيني سينتصر ويعود إلى دياره، في الوقت الذي يساوم أميره وولي نعمته أمير قطر بالقضية الفلسطينية، عارضا تسوية لا تضمن حق العودة، مقابل التطبيع مع الكيان الصهيوني.