يحدثنا المخرج السعيد ولد خليفة عن خلفيات إخراج فيلم ”زبانة” وعن مختلف الانتقادات التي وجهت له، موضحا أن تاريخ الثورة الجزائرية يحتاج إلى أكثر من فيلم، وأكثر من رؤية إخراجية حول الشهيد الواحد، كما يبين بعض ملامح تاريخ السينما الجزائرية ومختلف مراحلها، مؤكداً أن العامل الاقتصادي كان وراء تأخر الإنتاج السينمائي في الجزائر. دعنا نبدأ من فيلم زبانة، كيف ترد على الانتقادات التي قالت إن الفيلم شوه شخصية الشهيد أحمد زبانة ولم يتلمس عمق شخصية البطل الشهيد؟ أولا السينما تحتكم إلى قواعد معينة وتتقيد بعوامل عدة، منها مدة العرض الفيلم التي لا يجب أن تتعدى ساعتين وكأقصى تقدير ساعتين ونصف، وإلا كان الأجدر بنا إنتاج مسلسل. ونحن اخترنا فيلم لقاعات السينما ولا إجبار الجمهور المكوث في قاعة العرض لأربع ساعات أو أكثر، متحججين بالإلمام بكل جوانب الشخصية، كما أنه حتى هذه المدة غير كافية للحديث عن تاريخ الجزائر من خلال مشوار شخصية شخص واحد مثل أحمد زبانة. إذن ما هي النقاط التي ركزتم عليها خلال هذا العمل؟ أعتقد أن هدفنا كان الحديث عن جيل الخمسينيات الذي أخذ على عاتقه مسؤولية النضال والدفاع عن الوطن، ومن خلال جيل زبانة الذي يعد نموذجا لباقي الشخصيات التاريخية التي منحت للجزائر من سنوات عمرها في سبيل أن تحيا البلاد حرة مستقلة وبعد فشل كل المساعي السياسية، اختاروا الوقوف في وجه فرنسا الاستعمارية التي كانت وقتها القوة الرابعة في الحلف الأطلسي. هذا من جهة ثم أردنا تسليط الضوء على الجريمة الشنعاء التي ارتكبتها القوات المستعمرة في حق الشهيد زبانة، وفي حق أبناء الشعب الجزائري والتي خرقت بواسطتها كل القوانين وأرادت من خلاله إسكات صوت الحق والحرية. تزامن الفيلم مع اشتداد الأصوات المنددة بجرائم فرنسا، والتي تطالبها بالاعتذار.. هل يمكن للسينما أن تساهم بفعالية في هذا المسعى من خلال توثيق الجرائم التي ارتكبت في حق الجزائريين؟ طبعا بالإضافة الى المؤرخين الذين يتحدثون من منطلق الوثائق فهكذا هي السينما التي تساهم في التأريخ والتذكير بالتجاوزات التي ارتكبت في الماضي وجرائم الاستعمار وإعدام أحمد زبانة وعبد القادر حراث، وهي جريمة لا يمكن لفرنسا أن تفتخر بها وهي تدعي أنها بلد حقوق الإنسان. تعتقد أن الفيلم عند عرضه خارج الوطن نجح في إيصال هذه الرسالة الإنسانية المتعلقة بحقوق الإنسان؟ الفيلم عندما عرض في كندا وإيطاليا، فأول شيء لفت انتباه المشاهد هي الجريمة الشنعاء التي أقدمت عليها السلطات الاستعمارية، أو بالأحرى وزير العدل آنذاك فرنسوا ميتران. هذا يعني أنك تتقبل الانتقادات التي وجهت لفيلمك؟ طبعا كل الناس معرضون للانتقادات وبرأيي كل إبداع يقف إلى صفه أناس كما يعارضه آخرون، وأعتقد أن الانتقاد يمنحك حافز المواصلة، ويعني أنك في الاتجاه السليم والمجال مفتوح لمختلف وجهات النظر. السينما الجزائرية عرفت في الماضي تألقا رشحها لنيل السعفة الذهبية في مهرجان كان عن فيلم ”وقائع سنين الجمر”، لكنها عانت في الآونة الأخيرة سقوطا حرا جعلها تتذيل قائمة الإبداع السينمائي وتبتعد عن الأضواء. ما هي برأيك الأسباب التي تقف وراء هذا التعثر والتراجع؟ من أولى الأسباب التي جعلت الصناعة السينمائية تتأخر في الجزائر هي العامل الاقتصادي الذي انعكس بدوره على كل النشاطات الثقافية والسياسية، ثم جاءت العشرية السوداء التي قتلت كل ما له علاقة بالسينما، لكن عقب هذه الفترة بدأت الحيوية تدب من جديد داخل هذا القطاع وظهرت بعض التحركات التي كسرت الجمود، خاصة أن وزارة الثقافة تخصص القسم الكبير من ميزانيتها للكتاب والسينما على حد قول وزيرة القطاع، وهذا مكسب كبير للفن السابع، فلا شيء بعيد عن الإبداع الجزائري، وأكبر دليل السينما الإيرانية التي تحقق تقدما ملحوظا رغم كل ما عاشته، لذلك بإمكاننا تخطي هذه المرحلة بالتأكيد. هذه إيران كما تقول التي جاءت متأخرة، فماذا عن الجزائر؟ لكن ربما الآن حان الوقت للانطلاق مجددا بدليل أننا تفاجأنا عندما سمعنا أن فيلم زبانة رشح لمهرجان ”كان” السنة الماضية. لكن ألا تعتقد أن السبب الحقيقي وراء ترشحه - كما قال معظم المتتبعين - يعود إلى كونه تزامن مع قضية رد الاعتبار للجزائر من خلال الاعتراف الفرنسي بالجرائم التي ارتكبت في حق الشعب الجزائري، خاصة وأنه ترشح في مرحلة حرجة من العلاقات الجزائرية الفرنسية. أنا لا أوافق البتة على هذا الطرح لأن الأكاديمية الأمريكية لديها وقواعد تعمل ضمنها لذلك فهي لم تنظر الى هذه المسابقة من هذا المنطلق، بدليل وجود دول عنصرية، قوية وصديقة لأمريكا لكن لم يتم ترشيح أفلامها، وأنا أرى أنه لا يجب أن ننقص من قيمة الأعمال الجزائرية لأن ذلك إجحاف كبير في حق فن البلد، وإمكاننا انتقاده داخليا فنحن أحرار. هذا يعني أنك تمنح أهمية بالغة للنقد الجزائري؟ هذا أكيد، فأنا أمنح الأولوية للناقد الجزائري لأنني أولا وأخيرا أتوجه بأعمالي لمجتمعي، لكنني في الوقت ذاته لا يمكنني التكلم باسم أكاديمية الأوسكار والقول إن الجزائر كونها كانت حاضرة في التظاهرة بصفتها ضيفة شرف تم ترشيح فيلم ”زبانة” فهذا غير معقول، لأن الأوسكار تعترف بالأفضلية والتميز. تحدثت عن نقد العمل قبل حتى مشاهدته، وهذا يعزز الطرح الذي يقدم لغير المختصين فرصة الخوض في النقد حتى من غير دراية ما تعليقك؟ هذا يعني أننا لا نملك حياة ثقافية ولا نملك المساحات الكافية لنتعود على تبادل الآراء، فأنا مثلا تعلمت السينما في سينماتيك العاصمة التي كانت تعرض كل نهاية أسبوع فيلما يتبع بنقاش يجمع الجمهور بالمخرج، كما تعودنا على قراءة الأفلام والاستماع للنقد البناء. إذن غياب لغة الحوار الثقافي باعدت بين المهتمين وأبعدتهم عن صناعة سينما حقيقية؟ ابتعدنا كثيرا عن خلق أجواء ثقافية نستمع من خلالها لبعضنا البعض، وهذا التبادل هو الوحيد الكفيل بتقديم النقد الحقيقي، وأن برأيي أن الجزائر تفتقد للنقاد في جميع مجالات الإبداع من كتاب، مسرح وسينما، لأننا تعودنا على الاستماع لأصوات منفردة تتحدث لغتها وتدافع عن قناعاتها حتى وإن كانت خاطئة دون الاكتراث بالرأي الآخر، وهذا لا يخدم النقد الذي يتطلب حسن الإنصات والنقاش حتى إن اختلفت الآراء، وهذا كله نصله عن طريق إنتاجات ذات قيمة سينمائية هامة. على ذكر الوصول، برأيك هل ستصل يوما الجزائر إلى تحقيق إنتاج ذي أهمية بالغة يستقطب اهتمام النقاد داخل الوطن وخارجه؟ لو سألتني في السابق هذا السؤال لكانت إجابتي مغايرة، لكنني اليوم أنا متفائل بخصوص هذا المسعى والجهود المبذولة من طرف المهتمين بالفن السابع. متفائل بجيلك أنت الذي يمثل كبار المخرجين الجزائريين أم بجيل الشباب؟ في الحقيقة أنا أتأمل خيرا في المخرجين الشبان، لأنهم بمثابة التحرك الذي يمنح دفعا قويا لعجلة الإبداع السينمائي، صحيح أن الأخضر حمينة بلغ التتويج ولا يمكن التقليل من قيمة العمل، لكن المخرجين الشباب يمنحون دعما قويا للساحة السينمائية لأنهم لن يسمحوا لنا بالنوم والتقاعس عن آداء واجبته، وسيبقوننا دائما يقظين حتى نساير الزمن الذي يتطور سريعا. لكنكم بالمقابل تتهمون هذا الجيل بنقص التكوين والخبرة كيف ذلك؟ هذه حقيقة لا مفر منها لأن تكوين هؤلاء الشباب لا يخدم طموح السينما التي تعرف تتسارع بوتيرة ملفتة، ومسؤولية ذلك تقع على عاتق الدولة التي يجب أن تلتفت أكثر نحو معاهد التكوين السينمائي التي بإمكانها منحنا مخرجين في المستوى قد يصنعون الفارق في حقل الفن السابع على الصعيدين الداخلي والخارجي. حسب رأيك من يخدم الثورة الجزائرية المخرجين الذين ظلوا داخل الوطن أم أولئك الذين عاشوا خارج البلاد وجاؤوا لحمل قضايا الثورة . في الواقع التقييم لا يكون بهذا الشكل لأن الأفلام الصادقة التي تخدم قضية ما لا ترتبط بالمكان بل بالإخلاص لها والإيمان بحقيقتها، فجمال شمبرلي عاش خارج الوطن وخدم الثورة الجزائرية مثلا.