شاهدت أمس، وأعدت مشاهدة الفيلم الوثائقي الذي بثته ”فرانس 3” سهرة الخميس، والذي أعده الزميلان ”مالك آيت عودية” و”سيفيرين لابات”. الفيلم الذي وضع النقاط على الحروف في القضية الشائكة التي استعملت لسنوات كسلاح ضد الجيش الجزائري، إذ وجهت إليه تهمة ضلوعه في تصفية ”الرهبان السبعة” بتيبحيرين، خاصة وأن التهمة روج لها الضابط الفار تيغة، الذي شهد بأن ضباطا من الجيش كانوا وراء قتل هؤلاء الرهبان. لكن وقائع الفيلم الوثائقي، الذي استجوب عناصر ”تائبة” من ”الجيا”، مثل بن حجر وعمر شيخي، إلى جانب حارس الدير وإخوة آخرين كانوا حاضرين ليلة اختطاف الرهبان، إلى جانب شخصيات وطنية مثل الوزير السابق شارل باسكوا، ومدير أمن في عهد شيراك، أظهرت غير ذلك، وشهد الجميع بضلوع الجيا في الاختطاف والتصفية، لاستعمال هذه الجريمة النكراء في تردي العلاقات بين الجزائروفرنسا. وهو ما حدث بالفعل، حيث بقيت هذه الجريمة السلاح الذي تخرجه أطراف في فرنسا في كل مرة للضغط على الجزائر لابتزازها ومساومتها على مصالح معينة، وزاد استعمال هذا الملف أكثر في عهد الرئيس السابق ساركوزي، إذ لم تكن تمر أسابيع إلا ويدعي القضاء أو الإعلام حصوله على معلومات جديدة حول جريمة تيبحيرين. وها هي الحقيقة يزفها إلينا هذا الشريط الذي استغرق ساعة وربع الساعة، وعرج بنا على الكثير من المحطات المؤلمة في الأزمة الجزائرية، بعرضه صور المجازر التي طالت حتى الأطفال بحجة تخليصهم من نظام طاغوت. لكن التساؤل المنطقي الذي يطرح نفسه بعد عرض هذا الشريط وتقديم الوقائع بصورة مخالفة لمنطق ”من يقتل من؟” التي عزلت الجزائر عن العالم، وتركتها فريسة لوحدها أمام محنة الإرهاب، هو لماذا هذا الاعتراف الآن ببراءة الجيش الجزائري من دم الرهبان السبعة الذين لم يكن لهم من ذنب إلا حبهم لله ولجيرانهم في تيبحيرين، فهم لم يختاروا الهروب تحت تهديد الجيا، ويتركون الأطفال والأسر التي تعلقت بهم وتعاملت إنسانيا معهم؟! لماذا تظهر الحقيقة الآن بعد 17 سنة من الاتهامات ومن المساومات؟! وهل يعني هذا أن فرنسا مزقت نهائيا ورقة المساومة بهذا الملف؟ أم أنها الحقيقة فرضت نفسها على يد صحفيين محترفين لا غير؟! لا بأس أن تظهر الحقيقة ولو متأخرة، فليس هذا ما يؤلم في الفيلم، بل ما يؤلم هم هؤلاء، بن حجر، وعمر شيخي، وحسان حطاب، هؤلاء الإرهابيان اللذان مازالت أيديهما ملطخة بدماء الأبرياء وهما يتحدثان ببرودة دم عن جرائمهما ويعطونها هالة من القداسة ولا شيء في حديثهما ينم عن ندم، أو أنهما يتحدثان وكأنهما صاحبا حق، وكأن ما قاما به عملا مشروعا، لا يستحق العقوبة أو حتى تأنيب الضمير؟ كيف ستكون ردة فعل ”ماركو كونفورتان” الكرواتي الذي نجا بأعجوبة من الذبح والذي تحدث في فيلم ”فرانس 3” وهو يعرض آثار الجريمة على جسمه وعلى نفسه؟ ما هو إحساسه وهو يشاهد من حاولوا قتله يدلون بشهاداتهم في نفس الشريط؟! هل هذه هي المصالحة؟! سيتساءل حتما!؟ السؤال الذي نطرحه اليوم على أنفسنا ونخجل من الإجابة التي برأت المجرمين في سابقة خطيرة في تاريخ الإنسانية؟!