لا أدري إن كان كلامه نابعا من خرف الشيخوخة، أم أنه يردد فقط الإملاءات التي تصله عبر الجهاز المتصل بأذنه مثلما يفعل المخرجون مع المذيعين. القرضاوي قال أول أمس كلاما في منتهى الخطورة وخرج عن كل المتعارف، ودعا صراحة إلى حرب طائفية بين شيعة وسنة، عندما قال عن علويي سوريا أنهم أخطر من اليهود، وعندما قال عن شيعة إيران وحزب الله (حزب الشيطان مثلما سماه) أنهم أتوا لقتل أهل السنة، وعندما دعا أهل السنة والجماعة إلى الوقوف ضد هؤلاء مثلما قال. هل من العقل ومن المنطق إلى من يدعي أنه داعية مسلم، يناصر المظلومين، ويدعو إلى إسقاط بشار الأسد لأنه ظلم وقتل شعبه، أن يتلفظ بهكذا سموم، ويفصح عن نواياه الحقيقية، بل النوايا الحقيقية لمن يريدون إسقاط بشار الأسد، ليس لأنه حاكما جائرا بل لأنه علوي، شيعي مرتبط بإيران، ومناصر لحزب الله، إيران وحزب الله اللذين تشن عليهما أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما في الغرب حربا إعلامية قد تتحول إلى حرب حقيقية في القريب العاجل، إذا ما ”تمادت” إيران في تعنتها وتمسكت بمشروعها النووي الذريعة، لأن حقيقة الصراع هي طائفية وما تضمره المملكة الوهابية و”زائدتها” الدودية قطر، للشيعة من حقد تاريخي، ومن صراع على زعامة الأمة الإسلامية. ففي وقت يدعي الشيعة أن الخلافة هي من حق أهل البيت، وبالتالي يريدون أن يكون مركز ثقل العالم الإسلامي ومرجعيته إيران، يرفض النظام الوهابي هذا الطرح، ويتمسك بكونه مرجعية إسلامية بحكم أن البقاع المقدسة موجودة على ترابه. لأعد إلى القرضاوي، الذي تجرد أمس من قناعه العلمي الذي كان يضحك به على المسلمين، عندما دعا المليار سني إلى محاربة هؤلاء (700 مليون) شيعي، لا لشيء إلا لأن حزب الله تدخل في الصراع السوري ويساند نظام بشار في حربه ضد المعارضة المسلحة بالمال القطري والسعودي وبالسلاح الأمريكي، المدعمة بفتوى القرضاوي، التي أباحت قتل الأسد، وتشجع على ”الجهاد” في سوريا. أليس من حق النظام السوري أن يستعين في حرب تستهدفه بأنصاره؟ مثلما يستعين الجيش الحر بأنصاره، وهم أكثر عددا وعدة من إيران وسوريا وحزب الله؟ أم أن انقلاب ميزان القوى لصالح بشار الأسد، والهزئم التي ألحقها الجيش السوري، ومقاتلو حزب الله بالجيش الحر زيادة إلى شحنات الأسلحة القادمة من روسيا، هي التي جعلت شيخ الناتو، وأمير قطر يخرجان ما لديهما من سموم ويصعدان من لهجة التحريض واللعب على حبل الطائفية والحقد للإسراع بالإطاحة ببشار، بعدما أصبح الصراع في سوريا قضية شخصية بين أمير قطر وبشار الأسد، أكثر منها قضية شعب سحقته الحرب، أو معارضة أرادت المشاركة في حكم بلادها وهو طلب مشروع. القرضاوي الذي تقيأ أمس أكبر جرعة من سمومه بلعبه على النعرات الطائفية التي مازالت نيرانها لم تنطفئ منذ فتنة مقتل عثمان وما تبعها من حرورب طائفية وقتل على الهوية، قال إنه لو كان على شبابه لقاتل العلويين وحزب ”الشيطان” في سوريا. وهل هناك سلا ح أكثر فتكا من سموم الفتاوى التي أحدث بها الرجل فتنة في البلاد العربية وأدخل شعوبها في حروب أهلية وفي خراب غير مسبوق لبلدانها؟ لا أدري ماذا ستكون ردة فعل الرجل، ولا أقول العالم، لأن الرجل تجرد من صفات العلماء حول ما يجري اليوم في بلاد حليفه أردوغان من فوضى تطالب بالإطاحة به، وهل سيفتي فيها مثلما أفتى في ”ثورة” البحرين، أو مثلما أفتى في جواز التنازل عن جزء من أرض فلسطين لإسرائيل أو عندما أفتى بتحريم زيارة القدس؟! الأكيد أن القرضاوي فقد أمس بموقفه المتعصب لطائفته كل احترام وصار آلة بروباغاندا في يد قطر لا غير؟!