ما أعظم أيام هذا الشهر الكريم، وما أنفس أوقاته، صيام بالنهار، وتهجد وقيام بالليل، ذكر واستغفار، صلاة وقرآن، جود وإحسان، بر وصلة، عطف وحنان. يقطع المسلم نهاره ممسكا عن الشهوات، ويقضي ليله قائما متذللا بين يدي خالقه، يجأر إليه، ويخضع لعظمته، يردد كلامه في صلاته {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [سورة المزمل، الآية (6) ]، إنه يحتسب الأجر والثواب من الله تعالى، يطمع أن يمحو الله كل ما سلف من سيء أعماله، وأن يتجاوز عن غفلته وتفريطه وإهماله، فهو يؤمن بقوله صلى الله عليه وسلم: ”من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم فى ذنبه”. متفق عليه. إنه يتأسى بحبيبه صلى الله عليه وسلم، الذي كان يقوم من الليل حتى تتفطّر قدماه، فتقول له عائشة: ما هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول. ”أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا”. متفق عليه. إن اجتهاد المسلم يكون بالإكثار من صلاة النوافل، وقيام الليل في هذا الشهر، رجاء أن يوافق نفحة من نفحات الباري جل وعلا، فينال السعادة في الدنيا والآخرة. وفي الوقت نفسه، ينأى بنفسه أن يكون ممن استحوذ عليهم الهوى، يقول صلى الله عليه وسلم: ”يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام، ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة، عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ ذكر الله تعالى انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان”. رواه البخاري ومسلم. إنه يرغب أن يكون من أصحاب تلك الغرف في الجنة، الذين قال عنهم صلى الله عليه وسلم، وهو يصف غرفهم وأفعالهم: ”إن في الجنة غرفا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائما والناس نيام”. رواه أحمد. نعم، إنه يبيت ليله يعبد ربه، يتهجد، يرفع يديه لمولاه، يتضرع بين يديه، والناس مستغرقون في نومهم، يتلذذون به، وهو يناجي ربه. إنه يطمع أن يوافق ساعة الإجابة التي قال عنها صلى الله عليه وسلم: ”إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم، يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة”. رواه مسلم. ويأمل أن يكون من رهبان الليل الذين وصفهم صلى الله عليه وسلم بقوله: ”عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربّكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم”. رواه الترمذى وابن خزيمة. ما أجمل تلكم الصورة التي يبيّنها النبي صلى الله عليه وسلم عن الزوجين، وهو يدعو لهما بالرحمة، ويقول: ”رحم الله رجلا قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت، وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء”. رواه أبو داود.