كنت أرفض تشبيه ما يحدث في مصر بسيناريو الجزائر، بل استبعدت أن تمر مصر بنفس المأساة التي مررنا بها ودفعنا الثمن غاليا سنوات التسعينيات، لأن ما قام به الجيش المصري بداية الشهر بعزله مرسي إنما تم بمباركة دولية، وبدعم خليجي دعما سياسيا وماليا، عكس ما عاشته بلادنا عندما سدت في وجوهنا أبواب الدنيا، وكانت خزائننا فارغة ولم يكن يكفي ما عندنا من دريهمات لشراء حليب الأطفال. لكني بدأت أخاف بجد على مستقبل هذا البلد، الذي يعيش هذه الأيام مخاضا حقيقيا، هو مجبر على تخطيه مهما كانت النتائج، لأني كل يوم أرى شوارع مصر تعيد حياكة نفس القصة المروعة التي كتبت هنا بدم الجزائريين. نفس خطابات الكراهية والتكفير والوعيد، وتهديد مصر بحمام دم، مثلما عشناها في الجزائر، ونفس العبارات التي بدأ يستعملها الإعلام المصري لوصف ميليشيات الإخوان، بأنهم ”مغرر بهم”، كان يستعملها الإعلام والساسة الجزائريين. ما زاد تأكدي من أن مصر مقبلة على نفق مظلم، ليس خطاب السيسي أمس، فحسب، بل الوثيقة المسربة التي تحمل توقيع خيرت الشاطر، نائب المرشد، الصادرة في جانفي الماضي، تزامنا مع اعتصامات المعارضة في ساحات التحرير، ويتحدث عن خطة أمنية رهيبة، عن تسليح ميليشيات لفض الاعتصامات بالقوة، ولاستهداف أسماء القيادات المعارضة، والإعلاميين ممن سماهم بالمأجورين. الوثيقة نسخة طبق الأصل مما كانت الجبهة المحلة في الجزائر تعلقه على أبواب المساجد التي تسيطر عليها وتأمر بتصفية المثقفين والإعلاميين وكل من عارضها، قبل أن تمر إلى تصفية المواطنين ممن خذلوها ولم ينضموا إلى صفها. ثم هذا الذي يريده السيسي من الشعب، ويطالبه بالخروج إلى الشارع لمنحه تفويضا لمواجهة الإخوان الذين بدأوا بالفعل تطبيق وثيقة الشاطر التي تحدثت أيضا عن الدم وإغراق مصر في الفوضى حتى يتسنى لمرسي إعلان حالة الطوارئ ومن ثم التمكين. فالوثيقة الصادرة في جانفي لم تكن تتوقع عزل الرئيس. أليس هذا إعلان لمواجهة غير محمودة بين المصريين، ومن يدري كيف ستنتهي هذه الجمعة؟ الخوف أن تكون مليونية القتلى ولا أقول الشهداء، بعد كل الفوضى والغضب الذي عم الشارع المصري في رابعة العدوية وفي التحرير. وهل السيسي في حاجة إلى تفويض جديد ليباشر حربه على الإرهاب؟ ألم يعطه ما يجري في سيناء، وفي التحرير، وقبلها في المنصورة وبورسعيد سببا، لفض الاعتصامات بالقوة، حتى يطالب المصريين بفوضى أخرى قد تؤدي إلى مواجهات عنيفة وتسقط الأرواح. إنه سيناريو الجزائر بكل تفاصيله، والنار ينقصها عود كبريت لتشتعل، فعندما تكون شخصية في عنف صفوت حجازي اللفظي والذي يخفي في حزامه مسدسا، قد تكون عود الكبريت الذي سيلهب مصر يوم الجمعة. فهل مصر مجبرة على دفع نصيبها من القتلى على مذبح الإخوان، قبل أن تتخلص نهائيا من هذا السرطان الذي مثل الأنظمة الفاسدة عرقل مساعي المجتمعات العربية في الرقي والتطور.